للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاور الرسول صلى الله عليه وسلم يهود المدينة سنوات دعاهم فيها إلى الإسلام ولم يدعهم إلى التوفيق أو التقريب. وحاج وفد من نجران الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الإسلام ولم يدعهم إلى التوفيق أو التقريب، ولو علم خيراً أو بعض خير في ذلك لفعله (١).وكتب إلى هرقل عظيم الروم "أما بعد .. فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٦٤] (٢).

وليست تلك الطريقة خاصة به صلى الله عليه وسلم بل هي "دعاية الإسلام" ولم يدعه إلى التقريب والتوفيق بل إلى "أسلم تسلم" كان الأحرى بمحمد عبده ومن نحا نحوه أن يدعوهم إلى الكلمة السواء امتثالاً لأمر القرآن – الذي حفظه في صغره – واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم وكان الأحرى بالنصارى حاملي هذه الفكرة كشف الحقيقة الإسلامية لقومهم بدلاً من تزييفها وطمسها عنهم وبدلاً من استغلال أحوال المسلمين لتنصيرهم وإفساد شبابهم. نحاسبهم بقول محمد رشيد رضا الذي يرثي في جريدته (المنار) "خريستو غورس جباره" الذي وصل في الكنيسة الأرثوذكسية إلى رتبة الأرشمندريت بقوله "كان الفقيد موحداً يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقرآن ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويخالف المسلمين في مسألة الصلب" يؤمن بالقرآن ويعتقد بالصلب!! ويؤمن بمحمد ولا يتبعه!! ويؤمن بالقرآن ولا يمتثل أوامره!! ثم يفوض السيد رشيد أمره في الآخرة إلى العليم الرحيم إلا أنه يندم على هذا فيستدرك في تاريخ الأستاذ الإمام ويقول "وأنا أعتقد أنه مؤمن ناج عند الله إذا كان قد مات على ما عرفته منه وهو في مسألة الصلب متأول معذور"!! (٣).

المصلح القاضي: وكان من إصلاحات الإمام إصلاح المحاكم الشرعية بعد أن عهدت إليه الحكومة بعد تقليده الإفتاء بتفتيشها وبيان رأيه في إصلاحها فكتب تقريراً في ٨٣ صفحة كان من أهم الاقتراحات توسيع دائرة اختصاصها وعدم حصر منصب القضاء في الحنفيين وتأليف لجنة من العلماء لاستخراج كتاب في أحكام المعاملات الشرعية ينطبق على المصالح في هذا العصر (٤) وإصلاح المحاكم وأثاثها وزيادة الرواتب والاستقلال بالرأي والعناية بتنفيذ أحكامها.

المصلح الاجتماعي: أسس محمد عبده مع نفر من أصدقائه "الجمعية الخيرية الإسلامية وكان هو الواضع لمشروع نظامها وهدفها تربية أولاد الفقراء تربية يحافظون فيها على عقائدهم وآداب دينهم وأخلاقه وأعماله ويستعينون بها على معايشهم وتحصيل أرزاقهم (٥) وقد فسر محمد عبده جزء عم لطلابها وكان في نيته أن يتبعه بتفسير جزء تبارك (٦) وأدركته المنية قبل ذلك وقد اتسع نشاط هذه الجمعية وكثرت مدارسها وعم نفعها.

وكان له من النشاط الإسلامي أيضاً جمعية إحياء الكتب العربية التي قامت بطبع بعض الكتب الدينية والعربية.

وكتب لائحة في إصلاح المساجد وأوضاع القائمين بها من أئمة ومؤذنين وخدم وملاحظين وقراء، عمل ببعضها وترك الباقي.


(١) ((الفكر الإسلامي المعاصر)) غازي التوبة: (ص ٢٢ - ٢٣).
(٢) ((أعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين)) شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي (ص: ١٢).
(٣) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) للسيد محمد رشيد رضا (١/ ٨٢٧ - ٨٢٨).
(٤) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٦١٥ - ٦١٦).
(٥) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٧٣١).
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٧٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>