فإِحْدَاهُنَّ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} وَجَوَابُهَا: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}.
وَالثَّانِيَةُ: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)} فَقَابَلَهَا بِقَوْلِهِ: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)}. وَهَذَا لأَنَّ السَّائِلَ ضَالٌّ يَبْغِي الهُدَى.
والثَّالثَةُ: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} فَقَابَلَهَا بِقَوْلِهِ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)}. وَإِنَّمَا قَالَ: {وَمَا قَلَى (٣)} وَلَمْ يَقُلْ: {وَمَا قَلَاكَ}؛ لأَنَّ القِلَى بُغْضٌ بَعْدَ حُبٍّ، وَذلِكَ لَا يَجُوْزُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَمَا قَلَى أَحَدًا قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)} وَلَمْ يَقُلْ: خَيْرٌ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا المَعْنَى خَيْرٌ لَكَ وَلِمَنْ آمَنَ بِكَ، وَقَوْلُهُ: {فَآوَى (٦)} وَلَمْ يَقُلْ: فَآوَاكَ؛ لأَنَّهُ أَرَادَ: آوَى بِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
وَقَالَ: أَمَّا كَوْنُ صَوْمِ يَوْمِ "عَرَفَةَ" بِسَنَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ بَيْنَ شَهْرَيْنِ حَرَامَيْنِ، كَفَّرَ سَنَةً قَبْلَهُ وَسَنَةً بَعْدَهُ.
وَالثَّانِي: إِنَّمَا كَانَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَقَدْ وُعِدَتْ فِي العَمَلِ بِأَجْرَيْنِ، قَالَ تَعَالَى (١) {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}. أَمَّا عَاشُوْرَاءُ: فَقَدْ كَانَتِ الأُمَمُ قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ تَصُوْمُهُ، فَفُضِّلَ مَا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ، وَإِنَّمَا كَفَّرَ عَاشُوْرَاءُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ؛ لأَنَّهُ تَبِعَهَا وَجَاءَ بَعْدَهَا، وَالتَّكْفِيْرُ بِالصَّوْمِ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يَأْتِي. فَأَمَّا يَوْمُ "عَرَفَةَ" فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَّةَ الَّتِي قَدْ مضَى أَكْثَرُهَا، وَيَزِيْدُ لِمَوْضِعِ فَضْلِهِ بِتَكْفِيْرِ مَا يَأْتِي.
(١) سورة الحديد، الآية: ٢٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute