للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المَعْنَى: أَنَّه إِذا اشْتَدَّتْ الأَصْوَاتُ وَتَغَالَبَتْ فَإِنَّهَا حَالَةٌ لَا يَسْمَعُ فِيْهَا الإِنْسَانُ. وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَسْمَعُ كَلَامَ كُلِّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عنْ سَمْعٍ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ: (١) {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} قَالَ: المُرَادُ مِنْهُ: كُنْ أَنْتَ أَيُّهَا القَائِلُ عَلَى الحَقِّ؛ لِيُمْكِنَكَ أَنْ تَقُوْلَ: احْكُمْ بِالحَقِّ، لأَنَّ المُبْطِلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: احْكُمْ بِالحَقِّ.

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (٢) {قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} قَالَ: وَقَعَ لِي فِيْهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ المَعْنَى: لَا تُقْسِمُوا وَاخْرُجُوْا مِنْ غَيْرِ قَسَمٍ، فَيَكُوْنُ المُحَرِّكُ لَكُمْ إِلَى الخُرُوْجِ الأَمْرَ لَا القَسَمَ، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ لأَجْلِ قَسَمِهِ لَيْسَ كَمَنْ خَرَجَ لِأَمْرِ رَبِّهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ المَعْنَى نَحْنُ نَعْلَمُ مَا فِي قُلُوْبِكُمْ، وَهَلْ أَنْتُمْ عَلَى عَزْمِ المُوَافَقَةِ لِلرَّسُولِ فِي الخُرُوْجِ؟ فَالقَسَمُ هَهُنَا إِعْلَامٌ مِنْكُمْ لَنَا بِمَا فِي قُلُوْبِكُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ مِنْكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ اللهَ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي القُلُوْبِ.

وَالثَالِثُ: أَنَّكُمْ مَا أَقْسَمْتُمْ إِلَّا وَأَنْتُمْ تَظُنُّوْنَ أَنَّا نَتَّهِمُكُمْ، وَلَوْلَا أَنَّكُمْ فِي مَحَلِّ تُهْمَةٍ مَا ظَنَنْتُمْ ذلِكَ فِيْكُمْ، وَبِهَذَا المَعْنَى وَقَعَ المُتَنَبِّي، فَقَالَ: (٣)


(١) سورة الأنبياء، الآية: ١١٢.
(٢) سورة النُّور، الآية: ٥٣.
(٣) دِيْوَانُ المُتَنَبِيِّ المَنْسُوْبُ إِلَى العُكْبَرِيِّ (٤/ ١٥)، وَفِي الأُصُولِ: "وَفِي يَمِيْنِكَ مَا أَنْت. . ." مِن قَصِيْدَةٍ يَمْدَحُ بِهَا سَيْفَ الدَّوْلَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلَاثمائة، وَهِيَ آخِرُ قَصِيْدَةٍ قَالَهَا بِحَضْرَةِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ أَوَّلُهَا: =