الليل، وينام الليل، ويجلس ثلث الليل عند رأس أمه، يلقنها التسبيح والتهليل، فإذا أصبح خرج إلى البرية فيحتطب ثم يدخله محلة بني إسرائيل فيبيعه ويتصدق بثلثه، ويشتري بثلثه طعاماً يكفيه وأمه يومهما، ثم يأتي بالثلث الثالث إلى أمه فتصدق به، فغبر بذلك ما شاء الله، ثم قالت له أمه ذات يوم: أي بني! إن لي بقرة ورثتها عن أبي، وإني أرسلها في البرية ترعى، ويحفظها علي إله بني إسرائيل، فاذهب في طلبها. فذهب الفتى في طلبها، ووصفتها له، وأوعزت إليه أن لا يركبها ولا يحدث فيها أمراً.
وقيل: إن تلك البقرة، كانت لغلام يتيم وهي التي وصفها الله في كتابه. ولما أن أصاب الفتى البقرة ناداها فقال: أيتها البقرة! أسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب لما ابتعتني. فاتبعه، فتكلمت البقرة بإذن الله فقالت: يا فتى! لو سألت الله ربك أن يسير معك الجبال لفعل، لبرك بأمك ولطواعيتك لها. فمضى بالبقرة، فتعرض له إبليس لعنه الله ليركبها ويعصي أمه، فأبى، فلما عصمه الله من معصية أمه عرض له إبليس ليخدعه عنها فيشتريها منه، فسأله أن يبيعها منه يعطيه ما سأل، فأبى، فجاء بها إلى أمه، فقالت: يا بني! اذهب بها فبعها. قال: بكم؟ قالت: بستة دنانير على رضاي. فقبض الله له ملكاً أعطاه بها اثني عشر ديناراً على أن لا يستأمر أمه، فأبى، فردها إلى أمه فأخبرها الخبر، فقالت: اذهب فبعها باثني عشر ديناراً على أن تستأمرني فيها، فانطلق بها إلى السوق، فجاءه الملك فأعطاه أربعة وعشرين ديناراً على أن لا يسامر أمه، فأبى فقال: لو أعطيتني ملء مسكها ذهباً ما بعناكها إلا برضا أمي. فقال له الملك: إنك لا تبيعها حتى تعطي ملء مسكها ذهباً لبرك بأمك وطواعيتك لها - ونظر الملك خير للفتى - فقال: حتى قتل رجل في بني إسرائيل؛ وذلك أنه كان رجلاً فيهم كثير المال، لم يكن له ولد، عمد أخوان من بني إسرائيل وهما ابنا أخيه فقتلاه كي يرثانه، فألقياه إلى جانب قرية أهلها براء منه، فأصبح القتبل بين أظهرهم، فأخذوا به فعمي عليهم شأنه ومن قتله؛ قال أهل القرية الذين وجد القتيل عندهم لموسى: ادع