وعن وهب بن منبه أن عيسى بن مريم لما أعلمه الله عز وجل أنه خارجٌ من الدنيا جزع من الموت وشق عليه، فدعا الحواريين فصنع لهم طعاماً وقال: احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم، فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم بيده ويوضئهم ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه وقال: ألا من رد علي الليلة شيئاً مما أصنع فليس مني ولا أنا منه؛ فأقروه، حتى إذا فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام، وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوة، فإنكم ترون أني خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم، وأما حاجتي التي استعنت بكم عليها فتدعون الله وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي. فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاءٌ، ثم يوقظهم ويقول: سبحان الله! أما تصبرون لي ليلةً واحدةً تعينوني فيها! قالوا: والله ما ندري ما لنا، لقد كنا نسمر فنكثر السمر، وما نطيق الليلة سمراً ولا نريد دعاءً إلا حيل بيننا وبينه، فقال: يذهب بالراعي ويتفرق الغنم، وجعل يأتي بكلامٍ نحو هذا يبغي به نفسه، فقال: الحق أقول لكم: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك - ثلاث مرات - وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة، وليأكلن ثمني. فخرجوا فتفرقوا.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما اجتمعت اليهود على أخي عيسى بن مريم ليقتلوه بزعمهم أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن أدرك عبدي، فهبط جبريل فإذا هو بسطرٍ في جناح جبريل فيه مكتوب لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، قال: يا عيسى قل، قال: وما أقول يا جبريل؟ قال قل: اللهم إني أسألك باسمك الواحد الأحد، أدعوك اللهم باسمك الصمد، أدعوك اللهم باسمك العظيم الوتر، الذي ملأ الأركان كلها إلا فرجت عني ما أمسيت فيه وأصبحت فيه؛ فدعا بها عيسى، فأوحى الله إلى جبريل أن ارفع إلي عبدي. ثم التفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أصحابه فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، ادعوا بهؤلاء الكلمات، والذي بعثني بالحق نبياً، ما دعا قومٌ قط إلا اهتز له العرش والسماوات السبع، والأرضون السبع.