للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل والنهار؛ فويلٌ لمن كانت الدنيا همه، والخطايا عمله، كيف يقتضي غداٌ بربه؟ ولا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم وإن كانت لينة، فإن القلب القاسي بعيدٌ من الله ولكن لا تعلمون؛ لا تنظروا في ذنوب الناس كهيئة الأرباب، وانظروا في ذنوبكم كهيئة العبيد، إنما الناس رجلان: معافى ومبتلى، فاحمدوا الله على العافية وارحموا أهل البلاء؛ متى نزل الماء على جبل، ألا يلين له؟ ومذ متى درسون الحكمة ولا تلين لها قلوبكم؟ بقدر ما تواشعون كذلك ترحمون، وبقدر ما تحرثون كذلك تحصدون، علماء السوء مثلهم كمثل شجرة الدفلى تعجب من نظر إليها وتقتل من يأكلها، كلامكم شفاء يبرئ الداء وأعمالكم داءٌ لا يبرئه شفاء! جعلتم العلم تحت أدامكم مثل عبيد السوء؛ بحق أقول لكم: وكيف أرجو أن تنتفعوا بما أقول وأنتم الحكمة تخرج من أفواهكم ولا تدخل آذانكم، وإنما بينهما أربع أصابع، ولا تعيها قلوبكم، فلا أحرار كرام، ولا عبيد أتقياء.

ومن كلام عيسى بن مريم: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، ويلكم علماء السوء! الأجر تأخذون، والعمل تضيعون! يوشك رب العمل أن يطلب عمله، ويوشك أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه؛ الله نهاكم عن الخطايا كما أمركم بالصيام والصلاة؛ كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضى له، فليس يرضى شيئاً أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من دنياه عنده آثر من آخرته، وهو في الدنيا أفضل رغبةٌ؟ كيف يكون من أهل العلم من مصيره إلى الآخرة وهو مقبلٌ على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخزنه ولا يطلبه ليعمل به؟! قال عبد الله بن المبارك:

قال عيسى بن مريم: يوشك أن يفضي بالصابر البلاء إلى الرضا، وبالفاجر الرخاء إلى البلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>