للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من صفات الداعية: الصبر على الأذى: الصبر على الأذى من الصفات المهمة التي يتأكد على الداعية الاتصاف بها، وقد دل هذا الحديث على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صبر على أذى هذا الرجل الذي قال له: " إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله! "، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال بعض العلماء: الصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقد جبل الله الأنفس على التألم بما يفعل بها ويقال فيها؛ لهذا شق على النبي صلى الله عليه وسلم نسبتهم له إلى الجور في القسمة، لكنه حلم عن القائل؛ لما علم من جزيل ثواب الصابرين، وأن الله تعالى يأجره بغير حساب، والصابر أعظم أجرا من المنفق؛ لأن حسنته مضاعفة إلى سبعمائة أما الصابر فيجزى بغير حساب " (١) وقال رحمه الله: "وفيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم، ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى عليه السلام " (٢) وهذا يبين للداعية أهمية الصبر على الأذى، والله المستعان (٣).

ثالثا: أهمية الإعراض عن الجاهلين: الإعراض عن الجاهلين من الصفات الحميدة؛ ولهذا أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المنافق الذي قال: "إن هذه قسمة ما عدل فيها"، وهذا يوضح للداعية ويبين له أن الإعراض عن الجاهلين من صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام (٤).

رابعا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: لا شك أن القدوة الحسنة من أهم وسائل الدعوة؛ ولهذا اقتدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بموسى في صبره على الأذى، فصبر صلى الله عليه وسلم على قول من قال: "إن هذه قسمة ما عدل فيها"، وقال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»، وهذا فيه استخدام قياس الأولى، فإذا كان موسى صلى الله عليه وسلم صبر على


(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري ١٠/ ٥١١، بتصرف يسير، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، ٢١/ ٢٢٣.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١٠/ ٥١٢.
(٣) انظر: الحديث رقم ٩، الدرس الثامن، ورقم ١٦، الدرس الخامس.
(٤) انظر: الحديث رقم ١٧٢، الدرس الحادي عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>