وقال ابنُ المبارك أيضًا (في كتابه الزهد ص (١٦١) برقم (٤٧٠).): حدّثنا بكَّارُ بنُ عبد الله، قال: سمعتُ وَهْبَ بن مُنبِّه يقول: قال الله تعالى فيما يَعيبُ به أحبارَ بني إسرائيل: تفقَهون لغير الدين، وتتعلَّمون لغير العمل، وتبتغونَ (في (ق) والزهد لابن المبارك: "وتبتاعون"، وفي الحلية: "وتتنازعون"، والمثبت من الزهد لأحمد.) الدنيا بعمل الآخرة، وتلبسون جلودَ الضأن، وتخفون أنفس الذئاب، وتنفون القَذَى من شرابكم (في (ق): "وتحملون نفس الذباب، وتتغذون الغذاء من شرابكم" وهو تصحيف، والمثبت من الزهد لابن المبارك.)، وتبتلعون أمثالَ الجبالِ من الحرام، وتُثقلون الدَّينَ على الناس أمثالَ الجبال، ثم لا تعينونهم برفع الخناصر؛ تطيلون الصلاة، وتبيِّضون الثياب، تنتقصون بذلك مالَ اليتيمِ والأرْمَلة؛ فبعزَّتي حلفتُ، لأضربنَّكم بفتنةٍ يَضِل فيها رأيُ ذي الرأي، وحكمةُ الحكيم (وأخرجه أيضًا الإمام أحمد في الزهد ص (٥٣)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٨، ٣٩).). وقال الطبراني: حدّثنا عبد الله بن محمد الصنعاني، حدّثنا همَّام بن مَسْلَمة، حدّثنا غَوْث بن جابر، حدّثنا عَقيل بن مَعْقل، قال: سمعتُ وهبَ بن مُنَبِّه يقول: إنَّ الله ليس يَحْمَدُ أحدًا على طاعة، ولا ينالُ أحدٌ من الله خيرًا إلا برحمته، وليس يرجو الله خيرَ الناسِ ولا يخافُ شرَّهم، ولا يعطِفُ الله على الناس إلا برحمتِهِ إياهم، إنْ مَكَروا به أبادَ مكرَهم، وإنْ خادعوه ردَّ عليهم خداعَهم، وإنْ كاذبوه كُذِب بهم، وإن أدبروا قطعَ دابرهم، وإن أقبلوا قَبِل منهم، ولا يقبلُ منهم شيئًا من حيلة، ولا مَكْر، ولا خداع، ولا سُخط، ولا مشادَّة، وإنما يأتي بالخير من الله تعالى رحمتُه (في الحلية: "ولا يستخرج أحد من الله شيئًا من الخير بحيلةٍ ولا مكرٍ ولا مخادعةٍ ولا أوبةٍ ولا سخطٍ ولا مشاورةٍ ولكن يأتي بالخير من الله رحمته".)؛ ومَنْ لم يبتغِ الخيرَ من قبلِ رحمته لا يجدُ بابًا غيرَ ذلك يدخلُ منه؟ فإن الله تعالى لا ينالُ الخيرَ منه إلا بطاعته، ولا يعطِفُ الله على الناس شيئًا إلا تعبدهم له، وتضرعهم إليه حتى يرحمهم، فإذا رَحِمَهم استخرجتْ رحمتُه منه حاجتَهم، وليس ينالُ الخيرَ من الله مِنْ وجهٍ غير ذلك، وليس إلى رحمة الله سبيل تؤتى من قِبَله إلا تعبدَ العبادَ له وتضرعهم إليه، فإنَّ رحمةَ الله ﷿ بابُ كل خير يُبتغَى من قِبَلهِ، وإنَّ مفتاحَ ذلك البابِ التضرِّعُ إلى الله ﷿، والتعبُّد له؛ فمنْ تركَ المفتاحَ لم يُفتحْ له؛ ومن جاء بالمفتاح فُتح له به؛ وكيف يُفتح البابُ بغير مفتاح؟ ولله خزائنُ الخيرِ كله، وبابُ خزائنِ الله رحمتُه. ومفتاحُ رحمةِ الله التذلُّلُ والتضرُّع والافتقار إلى الله؛ فمنْ حَفِظ ذلك المفتاح فتحت له الخزائن ودخل، فله فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، وفيها ما تشاؤون، وما تدعونَ في مقامٍ أمين، لا يجلون عنه، ولا يخافون، ولا يَنْصَبُون، ولا يَهرمون، ولا يفتقرون، ولا يموتون، في نعيمٍ مقيم، وأجرٍ عظيم، وثواب كريم، نزلًا من غفورٍ رحيم (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٩، ٤٠).). وقال سفيان بن عُيَينة: قال وهب: أعوَنُ الأخلاقِ على الدِّين الزهادةُ في الدنيا، وأسرعُها ردًّا اتباعُ الهوى، وحبُّ المالِ والشرف؛ ومِنْ حُب المالِ والشرف تُنتهكُ المحارم، ومن انتهاكِ المحارم يَغضَبُ الربّ، وغضَبُ الله ليس له دواء (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٤١).). وقال: يقولُ الله تعالى في بعضِ كتبه يعتبُ به بني إسرائيل: إني إذا أُطعت رَضيت، وإذا رَضيتُ باركتُ، وليس =