ملكه ودنياه وغروره وفتنته، قال ثم نام في مجلسه هذا مع من يخصه من أهله فرأى رجلاً واقفاً على رأسه بيده كتاب فناوله، ففتحه، فإذا فيه كتاب بالذهب مكتوب:
«لا تؤثرن فانياً على باق، ولا تغترن بملكك وقدرك وسلطانك وخدمك وعبيدك ولذاتك وشهواتك، فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك، وهو فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور، وهو يوم لو كان يوثق فيه بغد، فسارع إلى أمر الله ﷿ فإن الله تعالى قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِّلْمُتَّقِينَ﴾، قال فانتبه فزعاً وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة فخرج من ملكه لا يعلم به وقصد هذا الجبل فتعبد فيه»، فلما بلغني قصته وحدثت بأمره قصدته فسألته، فحدثني ببدء أمره وحدثته ببدء أمري، فما زلت أقصده حتى مات، ودفن ههنا، هذا قبره رحمة الله عليه.
فوقع لنا ذكر بدء أمر إبراهيم بن أدهم وكيف كان سبب زهده: أخبرنا به الشيخ الصالح أبو بكر محمد بن علي بن محمد المقرئ أخبرنا أبو بكر علي بن محمد بن عبد الله بن الحذاء المقرئ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي أنه سنة اثنتين وستين وثلاث مئة قال سمعت أبا العباس محمد ابن إسحاق السراج يقول سمعت إبراهيم بن بشار خادم إبراهيم بن أدهم يقول: قلت لإبراهيم بن أدهم يا أبا إسحاق: كيف كان أوائل أمرك وخروجك من خراسان إلى بلاد الرمال؟ قال فقال لي أنت إلى غير هذا أحوج من ذا، فكررت عليه وقلت لعل الله ينفعني أو كما قال، فقال لي إبراهيم كان أبي من ملوك خراسان وكنت امرأ مولعاً بالصيد، قال فركبت فرساً لي يوماً وخرجت إلى الصحراء، فرأيت أرنباً فركضت فرساً خلفه،