للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الستر الغرة، وإني لخائف على نفسي من قلة خوفي عليها. يا أمير المؤمنين: إني والله ما رأيت وجهاً أحسن من وجهك فلا تحرق وجهك بالنار، فبكى هارون بكاء شديداً ثم دعا بماء واستسقى فأتي بقدح فيه ماء فقال يا أمير المؤمنين: أكلمك بكلمة قبل أن تشرب هذا الماء قال: قل ما أحببت قال يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتديها بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك قال نعم قال فاشرب ريا بارك الله لك، فلما فرغ من شربه قال يا أمير المؤمنين أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة عنك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدي ذلك بالدنيا وما فيها؟ قال: نعم. قال يا أمير المؤمنين فما تصنع بشيء وشربة ماء خير منه قال فبكى هارون واشتد بكاؤه قال. فقال يحيى بن خالد يا ابن سماك قد آذيت أمير المؤمنين فقال له: وأنت يا يحيى فلا يغرنك رفاهية العيش ولينه.

أخبرنا عبد العزيز بن الحسن قراءة عليه بالفسطاط أخبرنا أبي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم قال: حدثنا مصعب بن عبد الله عن ابن أبي فديك، قال: كان ههنا بالمدينة في سنة سبع وثمانين رجل يكنى أبا نصر من جهينة ذاهب العقل في غير ما الناس فيه، لا يتكلم في شيء من أمر الدنيا وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد رسول الله ، وكان إذا سئل عن الشيء أجاب جواباً معجباً حسناً قال ابن أبي فديك فأتيته يوماً وهو في آخر المسجد منكساً رأسه واضعاً وجهه بين ركبتيه فجلست إلى جنبه فحركته فانتبه فأعطيته شيئاً كان معي فأخذه وقال: قد صادف منا حاجة! فقلت له يا أبا نصير: ما الشرف؟ قال حمل ما ناب العشيرة أدناها وأقصاها والقبول من محسنها والتجاوز عن مسيئها. قلت له: فما المروءة؟ قال إطعام

<<  <   >  >>