إذا غرس رمحه على باب بيت من بيوت مكة، أو سرحة، فيملك جميع ما فيها من قماش أو بضائع أو بهار، ويخرج صاحب البيت بمفرده لا مال ولا قماش وربما يقتلونه.
ثم أن الجازاني هجم على تاني بك الجمالي الذي كان أتابك العسكر بمصر ونفي إلى مكة، فلما هجم عليه طلب منه مالا فاعتذر عن ذلك، فربط خصيته بوتر واستمر يعاقبه إلى أن مات، وأخذ ماله.
وهجم على الناصري محمد بن جانم نائب الشام، فأخذ ما في داره من أثاث وقماش وغير ذلك، فمات الناصري محمد بن جانم من الرجفة عقيب ذلك، هو وأمه خوند الجركسية زوجة الظاهر جقمق.
وهجم على الشهابي أحمد بن العيني، وكان مجاورا بمكة، فنهب جميع ما في داره، وهرب ابن العيني هو وعياله إلى نحو المدينة الشريفة.
وهجم على دولات باي السيفي قنبك باش المجاورين ونهب جميع ما في داره، وقتل جماعة كثيرة من المجاورين، ومن أهل مكة نحوا من سبعمائة إنسان، حتى هرب غالب أهل مكة، وحضر إلى القاهرة من البحر الملح، والذين تخلفوا بمكة اشتروا أنفسهم منه بمال جزيل، وكانت واقعة الجازاني من أبشع الوقائع وأنحسها، وقد قلت في المعنى:
تقول مكة واحرباه … مما جرى من جازاني
سيأخذو ربي وأقول … هذا جزاء من جازاني
وقد كادت مكة أن تخرب في هذه الواقعة عن آخرها، وتقرب واقعة الجازاني من واقعة أبي ظاهر القرمطي، وما فعله بمكة من النهب وقتل الناس، وكان ذلك في زمن الخليفة المقتدر بالله خليفة بغداد، سنة ثمان عشرة وثلثمائة، وقد انقطع الحج من بغداد وغيرها من البلاد نحوا من تسع عشرة سنة لم يحج فيها أحد إلى مكة، وانقطع بسبب ذلك هذه المدة، وكانت هذه الواقعة من أعظم المصائب الكبار، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا في الجزء الثاني من تاريخ الخلفاء.
فلما بلغ السلطان هذه الأخبار اضطربت أحواله إلى الغاية، وعين الأتابكي قيت الرحبي أمير ركب المحمل، وعين أنص باي أحد المقدمين بالركب الأول، وعين صحبتهم نحوا من ستمائة مملوك من المماليك السلطانية، ثم بعد أيام أنفق على المماليك المعينة إلى مكة، لكل مملوك مائة دينار. وأخذوا في أسباب عمل بركهم إلى السفر، ثم أن السلطان رسم لأقباي كاشف الشرقية، بأن يرمي على بلاد المقطعين جمالا بسبب التجريدة المعينة