للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعمة ذلك الرجل، ويأخذ منه ما لا يقدر عليه. فأطلق في الناس النار، وصار على بابه نحو من مائة رسول. فكانت أرباب الصنائع تترك أشغالها ويعملون رسلا على باب ابن أبي الجود، وصار غالب الناس لا يشكون خصماءهم إلا من باب علي بن أبي الجود، حتى صار بابه أعظم من أبواب أرباب الوظائف من الأمراء المقدمين. وكان هذا أكبر أسباب الفساد في حق علي بن أبي الجود، كما سيأتي الكلام على ذلك في موضعه.

وفي هذه الأيام تزايد ظلم علي بن أبي الجود، حتى شاع ذكره في بلاد ابن عثمان ملك الروم، وفي بلاد الشرق من ديار بكر وغير ذلك من البلاد، بسبب مصادرات تجار الأروام وجوره عليهم، وكان السلطان قرر على علي بن أبي الجود في كل شهر اثني عشر ألف دينار يردها على الجوامك ليس تحتها جهة من الجهات، وإنما هي من أبواب المظالم فطاش ابن أبي الجود في تلك الأيام إلى الغاية، وعادى أرباب الدولة قاطبة، من أمير ومباشر وغير ذلك حتى ملوك الشرق لأجل تجار الأروام مما يشكون منه من كثرة المصادرات لهم، وكان هذا كله دمارا في حقه، كما قد قيل:

أقول له إذ طيشته رياسة … رويدك لا تعجل فقد غلط الدهر

ترفق يراجع فيك دهرك رأيه … فما سدت إلا والزمان به سكر

وقد قلت فيه أيضا:

بالذي أركبك البغلة بعد المشي حافي … وكسا جسمك بعد العري خزا ونصافي

لا يكن خلقك يوما يا علاء الدين جافي

وكان أصله سوقيا من الصليبة، قيل في الأمثال:

ما طاب فرع أصله خبيث … ولا زكا من مجده حديث

وكان أبوه أصله نجارا، يقال له المعلم حسن، ثم تعلق على صنعة الحلوى، وسمى نفسه "أبو الجود"، وأقام مدة طويلة يبيع الحلوى على باب حمام شيخو، واستمر على ذلك حتى مات، فاستقر ابنه علي في دكانه، وكان يقلي المشبك بيده في رمضان، واستمر على ذلك مدة طويلة، ثم أنه تكلم في بعض جهات الوزر، وأبطل بيع الحلوى، ثم بقي برددارا عند تغري بردي الأستادار، ثم سعى في برددارية الأمير طومان باي لما كان دوادارا كبيرا، فلما تسلطن وقرر في الدوادارية الكبرى الأمير قانصوه الغوري سعى عنده في

<<  <  ج: ص:  >  >>