للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبض عليهما وقيدهما وسجنهما في البرج الذي بالقلعة. فلما كان ليلة وفاء النيل في عام سنة سبع وتسعمائة تسحبا من البرج، وكسرا قيودهما وقتلا السجان ونزلا من القلعة وقت الظهر والناس مقيلة، واستمرا في اختفاء وهما بالقاهرة، فكان السلطان والأمراء على رؤوسهم الطيرة منهما ولا سيما الأمير طراباي. وصار الوالي يكبس البيوت والحارات لأجلهما، واستمروا على ذلك مدة طويلة حتى ظفروا بهما، وجرى منهما أمور غريبة في مدة اختفائهما، حتى قيل: إنهما اللذان قطعا الطريق على حمل الجامكية وهو خارج من حارة زويلة وقد تقدم ذكر ذلك، وكانت الأمراء في وجل منهما.

ومن الحوادث أن الأمير طقطباي الأستادار، حسن للسلطان أن يبطل المعتدات التي كانت في الديوان المفرد، فأضر ذلك بحال المقطعين.

وفيه أفرج السلطان عن الشهابي أحمد ناظر الجيش، وألبسه خلعة ونزل إلى داره، وكان له نحو من ثلاثة أشهر وهو في التوكل به في بيت الأمير طراباي بسبب المصادرة كما تقدم، فباع أملاكه وغيطه الذي أنشأه بفم الخور، وباع أشياء كثيرة من وقف والده حتى سد ذلك القدر الذي قرر عليه.

وفيه أفرج أيضا عن الناصري محمد بن خاص بك، وكان له نحو من ثلاثة أشهر وهو في الترسيم ببيت الأمير قرقماس أمير سلاح، حتى أورد ما قرر عليه من المال وهو خمسة عشر ألف دينار، وكان في هذا الأمر مظلوما.

*****

وفي جمادي الأولى - في يوم مستهله - خلع السلطان على علي بن أبي الجود وقرره في نظر الأوقاف عوضا عن محمد بن يوسف، فتزايدت عظمة علي بن أبي الجود، ولبس الطوق وركب الخيول بالأخفاف والمهاميز وصار يعد من جملة رؤساء مصر، فاجتمع فيه وكالة بيت المال، ونظر الأوقاف، وبرددارية السلطان، وتكلم في ديوان الوزارة والأستادارية وديوان الخاص، وغير ذلك من الوظائف … فاجتمعت فيه الكلمة، وتصرف في أمر المملكة بما يختار، وقمع سائر المباشرين، وصار في خدمته الناس قاطبة، ولا يحتمى عليه أحد من التجار ولا المباشرين … فأظهر الظلم الفاحش بالديار المصرية، حتى فاق على هناد الذي أحدث المظالم. فكان الناس على رؤوسهم طيرة منه، ودخل في قلوبهم الرعب الشديد بسببه، فكان العبد يرافع سيده ويشكوه من باب علي بن أبي الجود، فينتصف العبد على سيده. وكذلك المرأة إذا تخاصمت مع زوجها تشكوه من بابه علي بن أبي الجود. وكان من له عدو يشكوه من بابه ويكذب عليه، ويقول: "هذا لقي مال"، فيسلب

<<  <  ج: ص:  >  >>