للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيت من ذلك، فرد في ذلك اليوم لبعض جماعة من المماليك، ونزل البقية خايبين من غير طائل، كما قيل:

سل الله ربك من فضله … إذا عرضت حاجة مقلقه

ولا تسأل الترك في حاجة … فأعينهم أعين ضيقه

ومن الحوادث أن في ليلة الاثنين ثاني عشر شهر رمضان طلع الأمراء إلى القلعة ليفطروا مع السلطان على العادة، فلما فطروا ونزلوا من القلعة ووصلوا إلى رأس الصوة وإذا بطائفة من المماليك نحو من اثني عشر مملوكا قد أحاطوا بهم، فأسفرت هذه الواقعة بأن الأمير مصرباي الدوادار ظهر والتفت عليه طائفة من أخمل المماليك فقصد أن يقطع الطريق على الأمراء وهم نازلون من القلعة، فوقفوا لهم عند باب السلسلة. فلما نزلوا من القلعة خرج عليهم مصرباي بمن معه من تلك المماليك اليسيرة، فرموا على الأمراء بالنشاب، فجرح الأمير طراباي والأمير تمر الزردكاش، لكنه جرح خفيف فما تأثروا له، ولكن قتل في تلك الليلة شخص بالرملة من المماليك يقال له: جاني بك، قيل إنه قرابة الأمير طراباي. وكان قصد مصرباي قتل أزدمر الدوادار وقيت الرحبي وبقية الأمراء فما قدر على ذلك وانكشف رخه وافتضح، وكانت هذه غاية الخفة من مصرباي، فلما جرى ذلك اضطربت الأحوال تلك الليلة ولبس العسكر آلة السلاح وباتوا على وجل، فوقف مصرباي بالرملة ساعة فلم يحضر عنده أحد من العسكر، فنزل من الرملة بغير طائل، ثم رجع الأمير أزدمر إلى القلعة وبات بها عند السلطان تلك الليلة ونزل الأتابكي قيت إلى داره، وقد أشيع أن السلطان كان مع مصرباي في الباطن، ولم يكن لهذا الكلام صحة. فلما رجع مصرباي من الرملة دار على الأمراء تحت الليل فلم يطاوعه أحد على الركوب معه، فعند ذلك توجه إلى الأزبكية وبات بها وانتظر أحدا يأتيه من المماليك السلطانية فلم يجيء أحد له. فلما طلع النهار اجتمع عنده بالأزبكية نحو من عشرين مملوكا أو دون ذلك، فلما بلغ السلطان ذلك أرسل إليه طائفة من المماليك صحبة الأمير علان والي القاهرة فحاربوه هناك، فلم يكن إلا ساعة يسيرة وقد كسر الأمير مصرباي وقتل بالزبكية شر قتلة، فحمله بعض المماليك قدامه على الفرس وهو ميت وطلع به إلى القلعة. فلما عاينه السلطان أمر بدفنه، فغسل وكفن وصلي عليه ودفن، وكانت واقعته من أبشع الوقائع وأنحسها، وقد خطر بباله أنه يقتل الأمراء ويملك القلعة بهذه الطائفة اليسيرة التي معه من المماليك وهي دون عشرين

<<  <  ج: ص:  >  >>