للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مملوكا، وكان هذا غاية الخفة منه، مع أنه كان من ذوي العقول عنده ثبات جنان، وكان دينا خيرا. وأصله من مماليك الأشرف قايتباي، وساعدته الأقدار حتى ولي الدوادارية الكبرى بمصر في دولة الغوري، ثم قبض عليه وسجن بثغر الإسكندرية، ثم تسحب من البرج الذي كان به مسجونا وجرى بسببه على الناس ما لا خير فيه من كبس بيوت وحارات وغير ذلك، ثم ظهر بعد ذلك بالرملة كما تقدم فلم يطب طبه، وكانت الأمراء على رؤوسهم طيرة منه، فلما توجه إلى الأزبكية وبات بها وأصبح فجمع صغار باب اللوق، ودق له هناك طبلخاناه، وكانت طبلخانة فشار، وآخر الأمر كسر وقتل في يومه، كما تقدم ذكر ذلك، فكان كما يقال:

ما تبلغ الأعداء من جاهل … ما يبلغ الجاهل من نفسه

وكان الأمير مصرباي سببا لقتل الملك العادل طومان باي، وقد عمل عليه حيلة حتى ركن إليه ثم غدره حتى قتل، ووضع رأسه في طبق وأشهره بالرملة والمشاعلية تنادي عليه، وأفحش في حقه إلى الغاية … فما عن قريب حتى أخذ مصرباي وجرى عليه شدائد ومحن، وافتضح وهو طالع إلى القلعة ميت على فرس وخلفه من يحضنه والناس ينظرون إليه، وهذا غاية الذل … والمجازاة من جنس العمل، كما يقال:

إذا ما الدهر جر على أناس … كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا مهيلا … ستلقوا عن قريب ما لقينا (١)

وكان في هذه الواقعة عبرة لمن اعتبر. فلما قتل مصرباي خمدت تلك الفتنة، وعد قتله من جملة سعد السلطان.

ثم في يوم السبت سابع عشر رمضان عرض السلطان مماليك أقبردي الدوادار ورسم بنفي جماعة منهم إلى البلاد الشامية، فنفى نحوا من ثمانين مملوكا فأخرجهم وهم في زناجير من حديد وقد أشيع عنهم بالركوب مع مصرباي، فبقي لهم ذنب كبير.

*****


(١) - الرواية الصحيحة:
فقل للشامتين بنا افيقوا … سيلقى الشامتون كما لقينا

<<  <  ج: ص:  >  >>