عليك" فتخيل من ذلك، ورجع من حيث أتى … فعند ذلك كثر القال والقيل، واضطربت الأحوال، وصار العسكر على ثلاث فرق: فرقة مع أقبردي الدوادار، وفرقة مع قانصوه خال السلطان - وهي الفرقة التي كانت من عصبة قانصوه خمسمائة فالتفوا على خال السلطان - وفرقة وافرة من المماليك الجلبان مع السلطان. ثم أن طائفة من المماليك لبسوا آلة السلاح، وتوجهوا إلى بيت أقبردي الدوادار عند حدرة البقر، فأحرقوا مقعده ونهبوا رخامه وأخشابه وأبوابه، وذلك قبل دخول أقبردي إلى القاهرة.
فلما كان يوم الجمعة خامس عشري الشهر المذكور عدى أقبردي من الجيزة إلى مصر، فلما وصل مصلاة خولان التي بالقرافة الكبرى، لاقاه الأتابكي تمراز وتاني بك قرا - وقد ظهر وكان مختفيا من حين كسرة أقبردي في شهر رمضان، كما تقدم - وتوجه إلى أقبردي الجم الغفير من العسكر، وكانت أقبردي أرسل خلف جماعة من عربان عزالة وبني وائل. ثم أن العربان كانوا في طلائع عسكر أقبردي وأتوا معه ووصلوا إلى باب الزغلة. وقد كان توجه إليهم جماعة من المماليك الذين هم من عرضي قانصوه خمسمائة. فالتقى معهم خاير بك الكاشف وجماعة من المماليك الذين هم من عصبة أقبردي، فكسروهم وطردوهم هم والعرب إلى أن وصلوا المجراة التي عند باب الزغلة وصار العرب يشوشون على الناس الذين يتوجهون من هناك، ويعرونهم ويأخذون عمائمهم وأثوابهم. وقتل في ذلك اليوم جماعة من الغلمان واثنان من المماليك السلطانية.
فلما كان يوم سادس عشري الشهر المذكور دخل أقبردي الدوادار من مصلاة خولان، ودخل المدينة على مشهد السيدة نفيسة ﵂ ورحمها، ولم يشق من الصليبة بل توجه إلى بيته من درب الخازن. فلما استقر بداره أتى إليه الأمراء والعسكر أفواجا أفواجا، ولو حطم في ذلك اليوم وطلع إلى القلعة لملكها من غير مانع. وكان ذلك من عين الصواب لكن أشار عليه الأتابكي تمراز بالمجيء إلى داره والتثبت في ذلك. فكان كما يقال في المعنى:
وربما فات بعض الناس حاجته … مع التأني وكان الرأي لو عجلا
فلما بلغ قانصوه خال السلطان أن أقبردي دخل إلى القاهرة، وأحضر صحبته عربان من بني وائل وعزالة، اضطربت أحواله. ولم يكن عنده بالقلعة من العسكر إلا القليل، فعند ذلك طلع إلى القلعة الأمير كرتباي الأحمر، وكان مختفيا من عهد واقعة خان يونس. فلما بلغ جماعة قانصوه خمسمائة بأن كرتباي قد طلع إلى القلعة بادروا إليه بالطلوع. وكان قد حضر من الشام مماليك قانصوه اليحياوي وصعدوا إلى القلعة لينزلهم السلطان في