الديوان، فأقاموا بالجامع وصاروا من عصبة الفواقة. وكان أكثرهم رماة بالمدافع والسبقيات والبندق الرصاص وهم الذين كانوا سببا في كسرة أقبردي. فقويت شوكة خال السلطان بهم وبالأمير كرتباي الأحمر. وصار جماعة المماليك طالعين إلى القلعة أفواجا أفواجا، وقويت الفواقة. وأرسل خال السلطان خلف طائفة عربان من بني حرام. وأحضر قراجا نائب غزة كان، عربان السواملة، فصارت العربان يقاتل بعضهم بعضا. فلم يحصل بالطائفتين نفع بل حصل منهم غاية الضرر، وصاروا يعرون الناس، ويخطفون العمائم بالمطرية وبولاق ومصر العتيقة والقرافة، وصاروا ينهبون الترب ومزارات الصالحين، حتى مزار الإمام الشافعي، والإمام الليث ﵃ ورحمهم، وأظن أن هذا هو الذي كان سببا في كسرة أقبردي.
ثم أن أقبردي أحضر أشياء كثيرة من الأخشاب وشرع في عمل طوارق، وأحضر عدة قناطير نحاس وشرع في سبك مكحلتين كبار، وأحضر المعلم دميلكو السباك وشرع في سبكها. وأظهر أقبردي الدوادار في هذه الحركة همة عالية. وكان عنده من الأمراء الأتابكي تمراز وتاني بك قرا الأينالي أمير مجلس، وكرتباي ابن عمة السلطان أمير آخور كبير، وأقباي نائب غزة رأس نوبة النوب، وجانم مصبغة حاجب الحجاب، وتاني بك الشريفي نائب الإسكندرية أحد مقدمي الألوف، وجانم الأجرود أحد المقدمين، وبرد بك المحمدي الأينالي أحد المقدمين. ومن الأمراء الطبلخانات والعشراوات زيادة على ثلاثين أميرا، منهم: مغلباي صصرق الأشرفي برسباي، وغير ذلك من الأمراء، واجتمع عنده الجم الغفير من العسكر من سائر الطوائف.
فكان أقبردي في كل يوم يمد للأمراء والخاصكية أسمطة حافلة في أول النهار، وفي آخره، ثم يحضر لهم السكر والحلواء والفاكهة والبطيخ الصيفي. واستمر الحرب ثائرا بين الفريقين، وحاصر أقبردي من بالقلعة أشد المحاصرة، ومنع الغلمان والعبيد أن يصعدوا إلى القلعة بشيء من الأكل، وقطع آذان جماعة من العبيد وأيديهم بسبب ذلك.
*****
وفي ذي الحجة قوي عزم أقبردي على محاصرة القلعة، وكان يركب كل يوم هو والأتابكي تمراز والأمراء، وعلى رأسه الصنجق السلطاني يخفق. وقد أرسله إليه الملك الناصر في الدس، وكان له به عناية في الباطن، فصار أقبردي يظهر أنه لم يكن راكبا على السلطان، وإنما له غرماء من الأمراء، وقصده القبض عليهم.