للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ذي القعدة توفي قاضي القضاة الحنبلي بدر الدين السعدي. وهو محمد بن محمد بن أبي بكر بن خلف بن إبراهيم الحنبلي، وكان عالما فاضلا عارفا بمذهبه تولى القضاء بمصر وهو في عنفوان شبوبيته، وأقام به مدة طويلة حتى مات وهو في وظيفته، وكان لا بأس به توفي وهو في عشر الستين.

فلما مات أرسل السلطان خلف شهاب الدين الشيشي، وكان بمكة المشرفة، فلما حضر خلع عليه السلطان، وأقره في قضاء الحنابلة بمصر، عوضا عن بدر الدين السعدي بحكم وفاته. وهو باق على وظيفته إلى أن مات بها، لكن بعد عزل وإعادة.

وفيه ظهر قانصوه المحمدي المعروف بالبرجي، أحد الأمراء المقدمين، وكان مختفيا من حين ركب قانصوه خمسمائة وانكسر. فلما ظهر أمنه السلطان على نفسه، وأقام بداره.

وفيه من الحوادث أن القاضي أبا البقاء بن الجيعان، كان طالعا إلى القلعة فصلى صلاة الفجر، وخرج من داره. فلما وصل إلى الحمام الذي هو خارج من زقاقهم، خرج عليه بعض المماليك بخنجر فضربه في بطنه ضربة بالغة فمات من وقته، وما عرف قاتله، واتهم به جماعة من المماليك. وكان رئيسا حشما فاضلا عالما عارفا بأحوال المملكة، وكان مقربا عند السلطان الأشرف قايتباي، ترقى في أيامه وانتهت إليه الرياسة، وفاق على من تقدم من أقاربه. وكان أدوبا حلو اللسان سيوسا، وله اشتغال بالعلم، وكان من نوابغ أولاد ابن الجيعان، وهو أبو البقاء محمد بن يحيى بن شاكر، وله بر ومعروف، وهو الذي أنشأ عمارة الزاوية الحمراء، وجعل بها خطبة وحوضا وسبيلا، وأنشأ هناك القصور والمناظر والغيط، وصار ذلك المكان من جملة متفرجات القاهرة، تسعى إليه الناس في زمن النيل بسبب الفرجة هناك، وصار عوضا عن التاج والسبعة وجوه التي كانت من المتفرجات القديمة. ومات أبو البقاء، وقد قارب الستين سنة منالعمر، فلما مات خلع السلطان على أخيه صلاح الدين وقرره في استيفاء الجيش، مضافا لما بيده من نيابة كتابة السر.

وفيه تزايد شر المماليك الجلبان، وضيقوا على السلطان، وصار معهم في غاية الضنك. فأرسل يستحث أقبردي الدوادار في سرعة المجيء.

وفيه، في رابع عشري الشهر المذكور يوم الخميس، وصل أقبردي إلى بر الجيزة، فلما تسامع به الأمراء خرجوا إليه قاطبة، وكذلك العسكر، ولم يخرج إليه قانصوه خال السلطان، فتلطف به الأتابكي تمراز حتى ركب معه، وتوجها إلى نحو السواقي التي عند الهدّ بالقرب من درب الخولي، فقصد خال السلطان أن يعدي من هناك ويتوجه إلى أقبردي ليسلم عليه فمنعه المماليك من ذلك، وقالوا له: "متى عديت ورحت إليه يقبض

<<  <  ج: ص:  >  >>