وفيه قبض الملك الناصر على القاضي كاتب السر بدر الدين بن مزهر، وأودعه بالطشتخاناه التي بجوار البحرة، وقرر عليه أموالا لا يقدر عليها … وهذه أول نكباته، وقاسى من البهدلة والأنكاد ما يطول شرحه، واستمر بعد ذلك في النكبات، وهي تترادف عليه شيئا بعد شيء، حتى كان فيه هلاكه كما سيأتي ذكر ذلك … وكان سبب ذلك أنه يوم مبايعة قانصوه خمسمائة، كان هو المذبذب له، وأظهر البشر والفرح في ذلك اليوم، فصار له ذنب عند الملك الناصر بسبب ذلك. ومن جملة ما قاساه أن الناصر لكمه على عينه فنفرت من مكانها، وكادت أن تذهب، وأقام أياما وعينه مرفودة. وهو في التوكيل به أياما حتى أورد مالا له صورة مما قرر عليه.
وفيه رسم السلطان للأتابكي تمراز والأمير تاني بك قرا بأن ينزلا إلى دورهما، وكانا بجامع القلعة من حين ركب قانصوه خمسمائة وانكسر، كما تقدم ذكر ذلك. وخلع عليهما، ونزلا إلى دورهما في غاية التعظيم.
وفيه جاءت الأخبار بنصرة أقبردي الدوادار على قانصوه خمسمائة، فلما تحقق السلطان ذلك نادى في القاهرة بالزينة، ودقت البشائر بالقلعة.
وفيه في يوم الخميس رابع رجب جاءت رؤوس من قتل في المعركة على خان يونس، كما تقدم ذكر ذلك، فكان عدة الرؤوس التي حضرت إلى القاهرة أربعا وثلاثين رأسا، وهي معلقة على راح، وينادى عليها:"هذا جزاء من يخامر ويعصي على السلطان". وكان من جملة تلك الرؤوس رأس ماماي بن خداد أحد المقدمين، وكان رئيسا حشما وافر العقل شجاعا بطلا، وكان من خواص الأشرف قايتباي … توجه قاصدا إلى ابن عثمان غير ما مرة، وتولى من الوظائف الدوادارية الثانية، ثم بقي مقدم ألف، وهو الذي جدد الدار المعظمة التي بين القصرين، وصرف عليها جملة مال عظيم. ومن جملة الرؤوس رأس فيروز الطواشي الزمام، فلم يرث له أحد من الناس، ولا أثنى عليه خيرا، وكان عنده خفة وطيش. ومن الأمراء العشراوات: يخشباي بن عبد الكريم، وتمرباي كاشف الشرقية، وسودون الدوادار. ومن الخاصكية عدة وافرة، منهم قايتباي بن قيت الرحبي، وخاير بك دوادار الأتابكي أزبك، وأزبك البيري السيفي جاني جدة وآخرون من الخاصكية المماليك السلطانية وكان آخر الرؤوس الذي تسلطن - وما كان أغناه عن هذه السلطنة - فصنعوا له عيونا من زجاج حتى يعرفها بها من بين الرؤوس.
وكان قانصوه خمسمائة أميرا جليلا موصوفا بالشجاعة، وافر العقل، كثير الأدب والحشمة. ويقال: كان أصله من مماليك الملك الظاهر خشقدم ومن كتابيته، واشتراه الأشرف قايتباي، وأعتقه فهو من عتقائه. وتولى من الوظائف الدوادارية الثانية، والأمير