الخان، وأشرف أن يظفر به. فلما رأى أقبردي عين الغلبة طلب من قانصوه خمسمائة الأمان، فلم يعطه الأمان. فبينما هو على ذلك وقد دنت الشمس للغروب، وإذا بأقباي نائب غزة، وأينال باي نائب طرابلس، وشيخ العرب ابن نبيعة، ومعهم جماعة من العربان والعشير أتوا ليتوجهوا مع أقبردي إلى القاهرة، فوجدوه في المحاصرة وهو في خان يونس، فكان كما يقال:"في أضيق الوقت يأتي الله بالفرج"، فكان بينهما واقعة لم يسمع بمثلها، فلما حال بينهما الليل انكسر قانصوه خمسمائة ومن معه من الأمراء والعسكر
وهذه رابع كسرة وقعت لقانصوه خمسمائة، فكان كما يقال:
والنفس لا تنتهي عن نيل مرتبة … حتى تروم التي من دونها العطب
فكان أول من أسر من الأمراء ماماي بن خداد، فحزت رأسه بين يدي أقبردي، ثم حزت رأس فيروز الزمام، وحزت رأس سودون الدوادار. وأما قانصوه خمسمائة، فمن الناس من يقول: إنه قتل في المعركة وحزت رأسه، وأخذت فرسه، والهياكل التي كان حاملها، ومن الناس من يقول: إنه لما انكسر، وحال بينهما الليل ركب فرسه، وكان مجروحا فنجا بنفسه، ولم يعلم له خبر. والأصح أنه قتل وحزت رأسه، وأحضرت بين يدين أقبردي، ودخلت رأسه إلى القاهرة وهي على رمح، وصار الناس بعد ذلك يشكون في قتله إلى الآن، ويزعمون أنه باق في قيد الحياة إلى الآن، وهذا من الأمور المستحيلة.
وقد قضي الأمر في قتله. فلما كان صبيحة يوم الواقعة، صار أقبردي يقبض على الأمراء الذين كانوا صحبة قانصوه خمسمائة، فقبض عليهم من الغيطان التي هناك والخانات.
فأمسك منهم قانصوه الألفي، وكسباي الزيني، ويشبك قمر. ومن الأمراء الطبلخانات والعشراوات زيادة عن عشرين ممن تقدم ذكرهم، فلما قبض عليهم قيدهم، وقبض على جماعة من الخاصكية ممن كان صحبة قانصوه خمسمائة. واستمروا في أسره حتى كان من أمرهم ما سنذكره في موضعه.
هذا ما كان من أمر قانصوه خمسمائة وأقبردي الدوادار. وأما ما كان من أمر الملك الناصر بعد حركة قانصوه خمسمائة، فإنه صار مع مماليك أبيه في الضنك وهو يهدد كل يوم بالقتل، حتى امتنع من صلاة الجمعة، وصار الأتابكي تمراز في غاية المشقة، وقد وعد بالقتل غير ما مرة.
وفيه، في يوم السبت تاسع عشريه، وقعت قلقلة بين المماليك والأمراء بالقلعة، فقال المماليك للأمراء:"غيروا لقب السلطان ولقبوه بالأشرف على لقب أبيه"، فطال الكلام في ذلك. فقالت الأمراء: "كيف يكون هذا الأمر بعد ما خرجت عدة مناشير ومربعات إلى