تحقق ذلك، طلب الفرس وركب هو ومن عنده من الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشراوات، نحو من عشرين أميرا والطواشي فيروز الزمام، ومنهم قايتباي الأقرع الزردكاش، وبرسباي الخسيف أمير آخور ثاني، وقرقماس الشريفي المحتسب، وأسنباي المبشر، وتمراز الشيخ، ودولات باي المصارع، وأزدمر الخازندار ودولات باي جركس، وتمرباي المحمدي كاشف الشرقية، وسودون الدوادار، وطومان باي أخو الأمير جانم، وآخرون من الأمراء. فخرجوا من الأزبكية بعد طلوع الشمس، وهم على جرائد الخيل، وتوجهوا نحو خانقاه سرياقوس بعد أن أخذوا خيول السلطان وغيره من الربيع، وكان آخر العهد بهم، وقد قتلوا أجمعين كما سيأتي ذكره. فكانت هذه ثالث كسرة وقعت لقانصوه خمسمائة. وكان أرشل معكوس الحركات في سائر أفعاله لم يطب طبه، وكان ذلك خذلانا من الله تعالى له. وقد قيل في المعنى:
على المرء أن يسعى لما فيه نفعه … وليس عليه أن يساعده الدهر
فإن نال بالسعي المنى تم سعده … وإن حالت الأقدار كان له العذر
فلما وصل المماليك الجلبان إلى الأزبكية، وجدوا قانصوه قد تسحب منها. وكان الأتابكي تمراز نزل مع جماعة من الجلبان من على باب الخرق، وأتوا إلى الأزبكية، والجماعة الثانية مع تاني بك قرا نزلوا وتوجهوا من البندقانيين من على قنطرة الموسكي، وأتوا إلى الأزبكية من هناك فلم يجدوا بها أحدا … فأحرقوا طبلخانة الأمير أزبك، ونهبوا داره والربوع التي هناك، ونهبوا قناديل الجامع والحصر التي به. وكان هناك حواصل للأتابكي فيها خيام ونشاب فنهبوا ذلك جميعه، ونهبوا دور سكان الأزبكية. فكان كما يقال:
غيري جنى وأنا المعذب فيكم … فكأنني سبابة المتندم
وفيه جاءت الأخبار بأن قانصوه خمسمائة لما خرج من الأزبكية قصد التوجه إلى غزة، ليقتل أقبردي الدوادار ولكن فاته الشنب. وكان مقيما عند أقباي نائب غزة، وكان السلطان أرسل خلفه ليحضر إلى القاهرة، وكان يظن أن الوقت قد صفا له بكسرة قانصوه خمسمائة، فقصد التوجه إلى الديار المصرية، فلما خرج من غزة ووصل إلى خان يونس الذي هناك، فلم يشعر إلا وقد دهمته عساكر قانصوه خمسمائة، ولم يكن عنده علم بذلك فأحاطوا به. وكان بينهما واقعة قوية مهولة فانكسر أقبردي الدوادار ودخل إلى خان يونس، وأغلق عليه الباب، فحاصره قانصوه خمسمائة أشد المحاصرة، وأحرق باب