للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبلخاناه وهذا أول ظهوره بمصر واشتهاره … وكان من جملة مماليك السلطان الجمدارية، ولم يكن خاصكيا، فخدمه السعد جملة واحدة، واستمر يرتقي إلى أن بقي سلطانا، كما سيأتي ذكره في موضعه … فلما بقي شاد الشرابخاناه اجتمعت فيه الكلمة، وصار صاحب الحل والعقد بالديار المصرية، وصار السعي لأرباب الوظائف من بابه، وعولت الناس على أشغالها في رد جوابه. فهذا كله جرى وقانصوه خمسمائة من حين انكسر مختف. والإشاعات قائمة بوقوع فتنة كبيرة. وصار الناس على رؤوسهم طيرة.

ثم أشيع بين الناس أن المماليك الذين من عصبة قانصوه خمسمائة، يقصدون قتل الأتابكي تمراز وتاني بك قرا، فرسم لهما السلطان بأن يطلعا إلى القلعة، ويقيمابها حتى يكون من الأمر ما يكون فطلع الأتابكي تمراز وتاني بك قرا وأقاما في الجامع الصغير، الذي هو داخل الحوش السلطاني أياما.

فلما كان يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة، ظهر الأشرف قانصوه خمسمائة من مكان في درب المرسينة، الذي عند قناطر السباع، وكان قد أشيع بأنه قد خرج على وجهه من حين انهزم من الرميلة. فلما ظهر تسامع به من كان من عصبته، وأتوا إليه أفواجا أفواجا، فركب من هناك وتوجه إلى الميدان الناصري الذي عند البركة، وعلى رأسه صنجق. فلما تسامع به العسكر حضر عنده جماعة من الأمراء، ممن كان من عصبته واختفى يوم الهزيمة … فحضر قانصوه الألفي وجان بلاط بن يشبك، وماماي، وقرقماس بن ولي الدين، وقانصوه المحمدي، وقيت الرحبي، وكرتباي الأحمر، وكسباي الشريفي، ويشبك قمر … فهؤلاء مقدمو ألوف. وحضر من الأمراء الطبلخانات والعشراوات جماعة كثيرة. فلما تكاثر هناك العسكر ضاق بهم الميدان، فحسن ببال قانصوه خمسمائة أن يأخذ العسكر ويتوجه إلى الأزبكية، فتوجه إلى هناك، ونزل بدار الأتابكي أزبك، فلم يحضر إليه من العسكر إلا قليل، فتلاشى أمره وبان عليه الخذلان، وهو لا ينتهي عما هو فيه. كما يقال في الأمثال: "الموت في طلب الثار، ولا الحياة في العار".

وقال آخر:

فموتي في الوغى عيشي لأني … رأيت العيش في أرب النفوس

فبات تلك الليلة هناك في الأزبكية، فلما أصبح يوم الأربعاء انسحب من كان عنده من العسكر، ولم يبق عنده منهم لا قليل ولا كثير، وتوجه الأمير كرتباي الأحمر إلى المطرية وخليج الزعفرا، لأجل أخذ الخيول، فإنها كانت في الربيع. وبلغ قانصوه خمسمائة أن المماليك الجلبان نازلة من الطبقات وهم مشاة، وقد وصلوا إلى رأس البندقانيين. فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>