فلما كان يوم الأحد سابع عشري الشهر المذكور، من سنة إحدى وتسعمائة، كانت وفاة السلطان الملك الأشرف قايتباي المحمودي الظاهري إلى رحمة الله تعالى في ذلك اليوم بعد العصر.
ومات بالقلعة، وأخرج صبيحة يوم الاثنين ثامن عشري ذي القعدة. وتوفي وله من العمر نحو من ست وثمانين سنة. ومات وهو بعلة الدبيلة، واعترته علة البطن أيضا، وامتنع عن الأكل مدة انقطاعه حتى مات.
وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية، تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحدا وعشرين يوما، بما فيه من مدة انقطاعه عند توعك جسده … فإنه تسلطن يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وتوفي يوم الأحد سابع عشري ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة … وهذه المدة لم تتفق لأحد من الملوك غيره قبله، وعاش عمره كله وهو في عز وشهامة من حين كان خاصكيا إلى أن بقي سلطانا، وما نفي قط، ولا سجن، ولا تقيد. وكانت عليه سكينة ووقار، ومهيب الشكل في العيون، جميل الهيئة، مبجلا في موكبه، كفؤا للسلطنة، وافر العقل سديد الرأي عارفا بأحوال المملكة، يضع الأشياء في محلها. ولم يكن عجولا في الأمور، بطيء العزل لأرباب الوظائف، يتروى في الأمور أياما قبل وقوعها. وكان لا يخرج إقطاع أحد من الجند إلا بحكم وفاته، ولا من أبناء الناس المقطعين إلا بحكم وفاته، ويرسل يكشف عليه وهو ميت حتى يصدق بموته.
وكانت صفته: طويل القامة، عربي الوجه مصفر اللون، نحيف الجسد، شائب اللحية. تولى الملك وله من العمر أربع وخمسون سنة. وكان موصوفا بالشجاعة، عارفا بأنواع الفروسية ولا سيما في فن لعب الرمح، علامة في فنه.
لكنه كان محبا لجمع الأموال، ناظرا لما في أيدي الناس، ولولا ذلك لكان يعد من خيار ملوك الجراكسة على الإطلاق. ولكنه كان معذورا في ذلك … تحرك عليه في أيام سلطنته شاه سوار، وحسن الطويل، وابن عثمان، وغير ذلك من مملوك الشرق وغيرهم. وجرد عليهم عدة تجاريد كثيرة، وهو ثابت على سرير ملكه ولم يتزحزح، حتى قيل: ضبط ما صرفه على نفقات التجاريد التي جردها في أيام سلطنته إلى أن مات، فكانت نحوا من سبعة آلاف ألف دينار وخمسة وستين ألف دينار، خارجا عما كان ينفقه عند عودهم من التجاريد. وهذا من العجائب التي لم يسمع بمثلها.
وكان مغرما بشراء المماليك، حتى قيل: لولا الطواعين التي وقعت في أيامه، لكان تكامل عنده ثمانية آلاف مملوك. ومن العجائب أنه من بعده قد انحصرت مملكة مصر في مماليكه فقط دون غيرهم. وتسلطن منهم إلى الآن أربعة سلاطين … وكان متقيا في نفسه،