ثم أن النيل أوفى في تلك الأيام فرسم السلطان لتمراز أمير كبير بأن يتوجه ويفتح السد، والناس في غاية الاضطراب. ثم طلع الأتابكي تمراز إلى القلعة، ولبس خلعة بسبب فتح السد … هذا كله والسلطان على غير استواء، وأشيع أنه في النزع وقد خرس.
فلما كان يوم الجمعة خامس عشريه طلع الأتابكي تمراز إلى القلعة، ودخل على السلطان في البيت فوجده في السياق، فقال له:"يا مولانا السلطان إن الأحوال قد فسدت، ومن الرأي أن تسلطن سيدي محمد" فلم يرد السلطان له جوابا. فأخذ سيدي محمد ابن السلطان، ونزل به إلى باب السلسلة، فأجلسه في المقعد الذي هناك، وجلس معه ليوليه السلطنة. فانتظر الأمير أقبردي الدوادار أن يطلع إليه، فاختفى أقبردي، ولم يطلع إلى القلعة في ذلك اليوم. فلم يشعر تمراز إلا وقد هاجمته العساكر كالجراد المنتشر … وذلك أن قانصوه خمسمائة وكرتباي الأحمر لما بلغهما أن تمراز الأمير الكبير بباب السلسلة، ومعه ابن السلطان، لبسوا السلاح وهجموا ودخلوا الميدان من عند حوش العرب، وطلعوا إلى باب السلسلة من الإصطبل، فقبضوا على تمراز الأمير الكبير، وقيدوه وسجنوه بالبرج الذي بباب السلسلة، ثم في عقيب ذلك اليوم نزلوا به وهو مقيد بقيدين أحدهما برجليه، والآخر بركبتيه، وخلفه أوجاقي بخنجر. فنزلوا به من باب الميدان الذي عند الحوش، وتوجهوا به من جهة المجراة إلى البحر، فأنزلوه في الحراقة وتوجهوا به إلى الإسكندرية، فسجن بها. وكان المتسفر عليه جانم بن برسباي أخو قانصوه الألفي. وبطلت الإشاعات بسلطنته. فلما جرى ذلك، وقع النهب في داره، وفي دار أقبردي الدوادار وجماعة من الأمراء ممن كانوا في عصبة أقبردي الدوادار. ثم أن قانصوه خمسمائة وكرتباي الأحمر وجماعة من الأمراء ممن هم في عصبة قانصوه خمسمائة، باتوا بباب السلسلة واشتوروا فيمن يلي السلطنة فترشح أمر سيدي محمد ابن السلطان، ووقع الاتفاق على سلطنته.
فلما كان يوم السبت سادس عشري ذي القعدة اجتمع الأمراء والعسكر بباب السلسلة وأرسلوا خلف أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي العز عبد العزيز، فحضر وحضر القضاة الأربعة، وهم قاضي القضاة زين الدين زكريا الشافعي، وقاضي القضاة ناصر الدين محمد الأخميمي الحنفي، وقاضي القضاة عبد الغني بن تقي المالكي، وقاضي القضاة بدر الدين محمد السعدي الحنبلي. فلما تكامل المجلس تكلموا في خلع الأشرف قايتباي، بحكم أنه قد أشرف على الموت، فخلع، وبايع الخليفة ولده الناصري محمد بالسلطنة عوضا عن أبيه الأشرف قايتباي، وشهد عليه القضاة بذلك … هذا كله والسلطان في النزع، لم يشعر بشيء مما جرى.