فلما وقف صلاح الدين على هذه الأبيات أمر بعزل العماد الواسطي عن خطبة الجامعة، وولي عليه شخصا من أهل الصلاح والخير.
قال المسبحي إن في أيام صلاح الدين يوسف نزل الفرنج على ثغر مدينة دمياط فخرج إليهم صلاح الدين في عساكر كثيرة من مصر، وتوجه إلى دمياط، فتقاتل مع الفرنج أشد القتال، وكانوا نحو مائتي مركب، فأقام صلاح الدين يحاصر الفرنج على دمياط نحو خمسة وخمسين يوما فانكسر الفرنج وانهزموا نحو بلادهم مدبرين وانتصر عليهم صلاح الدين.
فلما رحل الفرنج إلى بلادهم توجه صلاح الدين من هناك إلى الشام فأقام بها مدة. قيل لما دخل صلاح الدين إلى دمشق نزل بالميدان الكبير فجاءت إليه أرباب الملاعب من المصارعين والمتأنقين وغير ذلك، وكان فيما جاء إليه رجل أعجمي فتكلم معه بأن يريه أعجوبة في صنعة الشعبذة، فأذن له في ذلك، فنصب خيمة لطيفة في الميدان بين يدي السلطان صلاح الدين وأخرج من كمه كبة خيط فربط طرف ذلك في يده، ثم حدف تلك الكبة الخيط في الهواء ثم تعلق بها وصعد حتى غاب عن الأبصار، ثم سقطت بين الناس إحدى رجليه وصارت تزحف على الأرض حتى دخلت إلى الخيمة، ثم سقطت إحدى يديه ودخلت إلى الخيمة، ثم سقطت اليد الأخرى ودخلت إلى الخيمة، ولم تزل أعضاؤه تتساقط عضوا بعد عضو حتى سقط الرأس وصار يزحف على الأرض حتى دخل الخيمة ثم بعد ساعة خرج ذلك الرجل وهو سوى كما كان يمشي على أقدامه، فقبل الأرض بين يدي الملك الناصر … فبهت الناس من ذلك، ثم أن الرجل دخل الخيمة ثانيا قدام الناس فقال رفيقه للحاضرين:"ادخلوا الخيمة فتشوا فيها". . فدخلوا الخيمة وفتشوا فيها فلم يجدوا فيها أحدا، ثم فكوا الخيمة ونصبوها في مكان آخر فخرج منها ذلك الرجل وهو يمشي على أقدامه كما دخل، فتعجب منه الناس ومن كان حول الملك الناصر من الأمراء.
ثم أن الأمير سنقر الأخلاطي حنق من ذلك الرجل الذي صنع هذه الشعبذة فقام إليه بالسيف وضرب عنقه بين الناس، وقال للملك الناصر إن مثل هذا لا يؤمن أن يكون