للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأركبه فرسا خاصا من مراكبه بسرج ذهب وكنبوش زركش، ونزل من القلعة في موكب حافل، وقدامه الأمراء ورءوس النوب وكان له يوم مشهود. وقد قيل في المعنى:

يا أيها الملك الهمام ومن له … أسد الفلا تأتي إليه ملجمة

قد فاق قدرك في الملوك تعاظما … مذ صح بين يديك نطق الجمجمة

وأنزلوه بدار ابن جلود، كاتب المماليك، التي بفم الخور، وقد حضر بصحبة الجمجمة والدته وأولاده وعياله. وقد فر من أخيه أبي يزيد خوفا على نفسه من القتل، فالتجأ إلى سلطان مصر. وفيه قبض يشبك بن حيدر والي القاهرة، على امرأة يقال لها خديجة الرحابية، وكانت من أعيان مغنيات مصر ولها إنشاد لطيف، وكان أصلها من مغنيات العرب، ثم عظم أمرها جدا وحظيت عند أرباب الدولة ورؤساء مصر. وكانت جميلة حسنة الغناء فافتتن بها الكثير من الناس، وقد قال فيها بعض الشعراء:

رحابية يخفي الشموس جمالها … لها حسن إنشاد يزين مقالها

وقد خايلت بالبدر ليلة تمه … فما زال من عيني وقلبي خيالها

فلما قبض عليها يشبك، كانت في بعض الأفراح فقبض عليها من هناك، فلما مثلت بين يديه قال لها: "أنت التي أفسدت عقول الناس". ثم أمر بضربها بين يديه نحوا من خمسين عصا، وقرر عليها مبلغا له صورة، وكتب عليها قسامة بأنها لا تغني ولا تحضر في مقام. فلما خلصت من ذلك أقامت مريضة مدة من الرجفة التي وقعت لها، ثم ماتت عقيب ذلك. وكان لها من العمر نحو الثلاثين سنة، فتأسف عليها الكثير من الناس.

وفيه كان ختان أولاد القاضي كاتب اسر ابن مزهر ببركة الرطلى. وكان له مهم حافل جدا. وحضر عند جماعة من الأمراء المقدمين والعشراوات وحضر عنده جمجمة بن عثمان، وبات عنده، وكان النيل في أواخره، فأمر كاتب السر سكان بركة الرطلى بأن يوقدوا في البيوت وقدة حافلة. وشرع يرسل إلى كل بيت في البركة عشرة أرطال زيت، وطبلية فيها أكل فاخر من طعام ذلك المهم، فاحتفلوا في الوقدة، وعلقوا في الطيقان

<<  <  ج: ص:  >  >>