وفي جمادي الآخرة جاءت الأخبار من حلب، من عند الأتابكي أزبك، بأن الجام بن عثمان، ملك الروم، قد وقع بينه وبين أخيه أبي يزيد، وأن الجام وصل إلى أطراف بلاد السلطان، وبعث يستأذن في الدخول إلى حلب، فعاد من السلطان للأتابكي أزبك بأن يحضر إلى القاهرة في قليل من عسكره، ثم أن السلطان أخذ في أسباب تجهيز الملاقاة إليه إلى أن يصل إلى مصر.
وفيه كان وفاء النيل المبارك، وقد أوفى في خامس عشر مسري. فلما أوفى رسم للأمير أزبك السيفي بأن يتوجه ويفتح السد.
*****
وفي رجب طلع القضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، فوقع بالمجلس كلام يتعلق بالشهابي أحمد بن العيني، بسبب تركة شرف الدين ابن كاتب غريب وكان بعض نواب المالكية سمع دعوى ابن العيني وحكم له. ثم أن آمر هذه الدعوى وقف مدة طويلة، فلما طلع القضاة في الشهر المذكور، أخذ السلطان يسأل القاضي المالكي والشافعي عن السبب في تأخر ذلك بعد أن ثبت حق ابن العيني، وحكم له بذلك. فطال الكلام في المجلس بين القضاة، فحنق منهم السلطان، فقام كاتب السر يتكل للقضاة من نوع المساعدة لهم، فقال له السلطان:"أنت معزول، والقاضي الشافعي معزول، والقاضي المالكي معزول". فنزلوا إلى دورهم وهم في غاية النكد. وكان آخر عزل ولي الدين الأسيوطي ولم يل بعد ذلك القضاء، وكذلك برهان الدين اللقاني، فكانت مدة ولي الدين الأسيوطي في قضاء الشافعية نحوا من ست عشرة سنة، وكان مشكور السيرة في قضائه.
ثم أخذ السلطان في أسباب من يلي قضاء الشافعية، فترشح أمر الشيخ زين الدين زكريا، فطلب وخلع عليه وتولى القضاء، وقد تمنع من ذلك إلى الغاية. ثم شرط على السلطان شروطا كثيرة، فأجيب إلى بعضها، ونزل من القلعة في موكب حافل، واستمر في هذه الولاية مدة طويلة وقد أخذها عن ولي الدين الأسيوطي بحكم صرفه عنها. وكان الشيخ زكريا يومئذ رأس الشافعية ثم أن السلطان طلب محي الدين بن تقي الدين المالكي، وخلع عليه، وقرره في قضاء المالكية. عوضا عن برهان الدين اللقاني بحكم صرفه عنها، واستمر في هذه الولاية إلى أن مات.
وأما القاضي كاتب السر ابن مزهر، فإنه أقام في داره نحو ثمانية عشر يوما وهو منفصل عن كتابة السر. ثم أن بعض الأمراء مشى بينه وبين السلطان في عوده بعد ما