سيف أمير آل فضل الذي خرج بسببه قد فر، وتوجه إلى نحو الرها، فقوي عزم الأمير يشبك بأن يعدي من الفرات، وينبع سيفا في أي مكان كان فيه. فكان كما قيل في المعنى:
وكم من طالب يسعى لشيء … وفيه هلاكه لو كان يدري
فعدى من الفرات، هو والعساكر، فاجتمع معه فوق العشرة آلاف إنسان. فلما عدى توجه إلى نحو الرها، وكان المتولي أمرها يومئذ شخص يقال له بابندر، أحد نواب يعقوب بك بن حسن الطويل، فلما أشرف على أخذها، أرسل بابندر يتطلف بالأمير يشبك، ويقول له:"ضمان مسك سيف علي". وأرسل يقول له:"ارحل من الرها، وأنا أجمع لك من المدينة مالا له صورة". فأبى الأمير يشبك من ذلك، لما رأى من كثرة العساكر التي كانت معه. فطمعت آماله في أخذ مدينة الرها، ويزحف بعد ذلك على ملك العراق، كما حسنوا له ذلك. فزعق النفير وركب العسكر قاطبة، فبرز بابندر ومن معه من العسكر، وتحارب معهم، فلم تكن إلا ساعة يسيرة، وقد انكسر عسكر مصر قاطبة، وبقية العساكر قاطبة، فأسر الأمير يشبك وهو راكب على ظهر فرسه، فأتوا به إلى بابندر، وأسروا نائب الشام قانصوه اليحياوي، ونائب حلب أزدمر، ونائب حماه جانم الجداوي، وقتل برد بك قريب السلطان نائب طرابلس، وأسر برسباي قرا حاجب الحجاب، وتاني بك قرا أحد المقدمين، وقتل من الأمراء العشراوات، ومن أمراء الشام وحلب ما لا يحصى، وقتل من العساكر التي كانت مع الأمير يشبك ما لا يحصى عددهم، وكانت حوافر الخيل لا تطأ إلا على جثث القتلى من العسكر، فكان من قتل من أعيان العسكر. برد بك قريب السلطان نائب طرابلس، وهو برد بك المعمار السيفي جرباش كرت، وجاني باي أخو سيباي أحد الأمراء العشراوات، وجاني باي أخو تاني باي قرا، وسوازار الأشقر الأشرفي، وكان علامة في الرمي بالنشاب، وطقطمش الخشقدمي أحد الأمراء بحلب، وسليمان بك من أقارب سوار، وقانصوه البواب الإينالي أحد الأمراء العشراوات ورءوس النوب، وقرقماس المحمدي الظاهري، أحد العشراوات ورءوس النوب. وأما الذي قتل من الخاصكية والمماليك السلطانية، فما ضبط لكثرتهم. وقتل من العساكر الشامية والحلبية وغير ذلك ما لا يحصى عددهم. وكانت مصيبة عظيمة مهولة قل أن يقع مثلها لعسكر مصر.
وأما ما كان من أمر يشبك الدوادار فإنه أقام في الأسر نحو ثلاثة أيام، ثم في اليوم الرابع بعث إليه بعبد أسود من عبيد التركمان قطع رأسه تحت الليل، وأحضرها بين يدي