كل ذلك جرى والسلطان غائب، لم يعلم له خبر، وكانت هذه الواقعة سببا لنفي جانبك الفقيه أمير سلاح كما سيأتي الكلام على ذلك.
وفيه ختم البخاري بالجامع الأزهر، وحضر به القضاة الأربعة، وفرقت هناك الخلع والصرر على الفقهاء والعلماء، وكانت قراءة البخاري من أول رمضان في الجامع الأزهر، وعند الدعاء يدعون للسلطان بالسلامة.
فبينما القاهرة في اضطراب وإذا بخاصكي حضر من عند السلطان، يقال له برد بك سكر، وعلى يده مكاتبات للخليفة والقضاة الأربعة، والأتابكي أزبك، والأمراء قاطبة. فكان من مضمونها أن السلطان قد حصل له توعك في جسده، وقد بعث الله تعالى له بالعافية والشفاء، وحصل له البرء. فضربت البشائر بالقلعة، ودخل على برد بك سكر عدة كوامل بسمور من الأمراء، والخليفة، وقضاة القضاة، وأرباب الدولة، ودقت له البشائر على أبواب الأمراء، ونودي في القاهرة بالزينة سبعة أيام … فزينت وأظهرت الناس الفرح والسرور بعافيته. وسكن الاضطراب الذي كان بالقاهرة، وبطل القيل والقال الذي كان بين الأمراء وفي ذلك يقول الشهاب المنصوري:
بعافية السلطان مولى الأنام قد … تهلل وجه الدهر فهو جميل
وقد صحت الدنيا لصحة جسمه … وليس بها غير النسيم عليل
وكان الأمير يشبك الدوادار من حين توجه السلطان للسفر، وهو مجتهد في توسيع الطرقات وإصلاح وجوه أبواب الجوامع والمساجد، وجلي رخامها، وبيض حيطانها، وكشف عن أبواب جامع الملك الصالح، وظهر منه عواميد رخام فجلاها، وأمر بتبييض الدكاكين، ووجوه الربوع التي تطل على الشوارع، وخلع على شخص من أبناء الناس، وجعله مشد الطرقات، فصار يستحث الناس في سرعة البياض والدهان، حتى صارت القاهرة كأنها استجدت في بنائها وتزخرفها … وصارت مثل العروس التي تجلى
ثم أن الأمير يشبك أمر بقلع عتبة باب زويلة وأعلى العتبة وأصلحها. فإن الأرض كانت علت على العتبة، فقطع الأرض، ومهد قدام الباب. واستمر باب زويلة مغلقا أياما حتى انتهى العمل منها، فعد ذلك من النوادر.