ثم رسم له بأن يعطي في كل سنة من خراج أراضي مصر مائة ألف دينار له ولمماليكه وحاشيته.
ومن مضمون ذلك المرسوم أنه لا يصرف لطائفة الإنكشارية والإصباهية أكثر من أربعة أنصاف في كل يوم، فشق عليهم ذلك. وكان ملك الأمراء خاير بك رتب لجماعة من الإصباهية أشرفيين في كل يوم جماعة، وأشرفي كل يوم، وكان في طائفة الإنكشارية من كان له في كل يوم عشرون نصفا، وشيء عشرة أنصاف، وشيء ثمانية، فبطل ذلك جميعه، واستقرت على أربعة أنصاف كل يوم.
ومن مضمون المرسوم، الوصية بالرعية قاطبة، والمماليك الجراكسة، وإصلاح المعاملة، والنظر في أحوال الرعية والمسلمين بما فيه إصلاحهم. وكان من مضمونه أشياء كثيرة يطول شرحها.
وفي ذلك اليوم طلع القضاة الأربعة يسلمون عليه، فوجدوه بالأشرفية التي بالقلعة، فلم يمكنوهم من الدخول إليه حتى شاوروه، فأذن لهم، فدخلوا عليه فوجدوه ملقى على ظهره، فلم يلتفت إليهم، ولا قام لهم، ولم يعدهم من البشر. ثم قال لهم على لسان الترجمان النائب:
"يقول لكم لولا أنه ضعيف لقام لكم". فقرءوا الفاتحة وانصرفوا.
وفي يوم الجمعة خامس عشرية، نزل النائب مصطفى باشا إلى الميدان وجلس به، وعرض موجود ملك الأمراء خاير بك من الجمال والخيول والبغال، فوجد له من ذلك أشياء كثيرة لا تنحصر، ثم طلع إلى الحوش السلطاني وعرض مماليك خاير بك، ثم عرض الحواصل التي فيها الموجودات من قماش ونحاس وصيني وغير ذلك، فوجد له أشياء كثيرة أعظم من موجود الأشرف قايتباي، ووجد له من الذهب العين على ما قيل ستمائة ألف دينار. وقد حاز هذا الموجود العظيم في هذه المدة اليسيرة.
وفي يوم السبت سادس عشرية، نزل مصطفى باشا إلى الميدان وجلس به، وحوله الأمير سنان والأمير خضر والأمير خير الدين نائب القلعة والأمير أرزمك الناشف وجماعة آخرون من الأمراء، فأظهر التعاظم في ذلك اليوم، ومشى على طريقة الخنكار سليم شاه، وصار كواحد منهم.
وكان النائب مصطفى هذا متزوجا بابنة الخنكار سليم شاه، وهي أخت السلطان سليمان، فوقف الوالي قدامه بالعصا، وكذلك نقيب الجيش أيضا، واصطفت قدامه الإنكشارية والإصباهية والكملية وبأيديهم العصى. ثم ترادفت عليه القصص بحوائج الناس، فلم يفهم منها شيئا، وصار الترجمان يقول له معنى ما في القصص بالتركي، وهو كالخشبة.