ثم رسم بالمناداة في القاهرة بالأمان والاطمئنان، والبيع والشراء، وأن كل من ظلم من بعد ملك الأمراء خاير بك فعليه بالأبواب العالية.
ثم أشيع أنه نادى أن العمال يقبضون الخراج من الفلاحين، النصف الفضة بنصفين، ويقام لهم عند الحساب بنصفين وربع، ففرح الفلاحون بذلك. ثم من بعد ذلك تبين أن هذه الإشاعة ليس لها صحة، وكل شيء على حكمه في المعاملة.
ثم إن النائب قام وطلع إلى القلعة، وهذا أول ديوان في أيامه، وأول محاكماته بين الناس، وأول جلوسه للناس عامة.
وفي يوم الأحد سابع عشرية، أشيع في القاهرة أن القاضي بركات بن موسى قد انفصل عن الحسبة، واستقر بها شخص من العثمانية من أقارب النائب مصطفى يقال له قاسم باشا، فاضطربت القاهرة بسبب ذلك، وشق على الناس عزله.
وفي ذلك اليوم أشيع أن النائب قد أخذ مفاتيح الحواصل كلها جميعا التي في القلعة من البوابين، وسلمها لجماعة من الأروام من حاشيته، وطرد البوابين والغلمان والركابة والبابية، وأبطل الشواش والركبدارية والفراشين وغلمان السلطان قاطبة، حتى بطل الطباخين من المطبخ، وأقام جماعة من الأروام عوضهم، وأبطل المقرئين الذين كانوا يقرءون بالقلعة قاطبة، حتى أبطل من كان بالقلعة من المؤذنين، وجعل لجامع الحوش مؤذنا واحدا، وأبطل جميع نظام القلعة الذي كانت عليه قديما، ومشى على القانون العثماني، وهو أشأم قانون.
ثم إنه شرع في بيع موجودات ملك الأمراء خاير بك، فطلب التجار قاطبة فطلعوا إلى القلعة بسبب المبيع.
وقي يوم الاثنين ثامن عشريه، طلع أعيان المباشرين إلى القلعة، وتوجهوا إلى بيت الدفتردار، فاجتمعوا هناك وشرعوا في أمر تقسيط البلاد، وأشيع أنهم قد أفردوا للنائب مصطفى باشا في كل شهر ثمانية آلاف دينار، ولمماليكه خاصة، ولجماعته وحاشيته ومطبخه وانعاماته، وغير ذلك مما حكم به الزمان الخبيث على الناس.
ثم إن المعلم الحلواني العجمي الذي كان دكانه تجاه المدرسة الناصرية، التي بين القصرين، صار من خواص النائب مصطفى باشا، وصار من المقربين عنده، ويتقاضى حوائجه وحوائج الناس عنده، واجتمعت فيه الكلمة، وصار المرجع إليه في الأمور في تلك الأيام، حتى بقي كمنزلة الدوادار الكبير. فكان كما يقال في المعنى:
ما كنت أحسب أن يمتد بي زمني … حتى أرى دولة الأوغاد والسفل