فلما نزل القاضي شرف الدين الصغير إلى بيته لم يقم به إلا ساعة يسيرة ثم ركب وتوجه إلى تربة الإمام الشافعي ﵁، فزاره ثم طلع إلى القلعة ثانيا هو والقاضي بركات بن موسى المحتسب، فاجتمعا على ملك الأمراء وتكلما معه على المقر الشهابي أحمد بن الجيعان، فإن ملك الأمراء توقف في الإفراج عنه، وقد عول على شنقه على باب زويلة، فنجاه الله تعالى من كيده، ولولا اشتغال ملك الأمراء بنفسه لكان شنق الشهابي أحمد بن الجيعان لا محالة.
فلما تكلم القاضي شرف الدين الصغير، والقاضي بركات المحتسب، وقيل ساعدهما خير الدين نائب القلعة، في أمر الشهابي أحمد بن الجيعان، رسم ملك الأمراء بالإفراج عنه بعد جهد كبير، وكان ملك الأمراء على خطر، وبانت عليه لوائح الموت.
فلما أفرج عنه ألبسه قفطان حرير، وأركبه على فرس من الإصطبل السلطاني، ونزل من القلعة، وشق من القاهرة فرجت له، وانطلقت له النساء من الطيقان بالزغاريت، وارتفعت له الأصوات من الناس بالدعاء. فإن الشهابي أحمد كان محببا للناس فشق من القاهرة بعد العصر، فكان له موكب حافل، وكان ذلك اليوم مشهودا، فتوجه إلى منزله بعد ما قاسى شدائد ومحنا، وأوعد بالشنق من ملك الأمراء، فكفاه الله تعالى شره. وفيه يقول الأديب ناصر الدين محمد بن قانصوه:
الحمد لله بكم عيننا … قرت بفرحة لنا في السرور
لما خلصتم ونزلتم إلى … منازل العز وزال الشرور
وفي يوم الخميس حادي عشرة، أشيع بين الناس أن ملك الأمراء بطلت شقته، وعجز عن القيام، وتزايد به ألم الفرخة الجمر، واشتد عليه مخرج البول والغائط من الورم من تلك الجمرة، وهذا العارض بعينه قد وقع للخنكار سليم شاه ابن عثمان ومات به.
ثم إن قضاة القضاة الأربعة ركبوا وطلعوا إلى ملك الأمراء وعادوا وسلموا عليه، فلم يع لهم، ولم يلتفت إليهم، فقرءوا له الفاتحة ونزلوا إلى منازلهم.