للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي شهر ذي القعدة، وكان مستهله يوم الاثنين، وكان القضاة الأربعة منفصلين عن القضاء كما تقدم، فلم يطلع منهم أحد للتهنئة بالشهر في ذلك اليوم.

وفي يوم الثلاثاء ثانية عزل الأمير جان بك من كشف الشرقية، واستقر بالأمير إينال السيفي طراباي.

وفي يوم الاثنين ثامنه توفيت أصيل القلعية، وكانت من أعيان مغاني البلد، وكان لها إنشاد لطيف، وكانت بارعة في غناء الخفائف التي هي من فرح الزمان، ورأت من الأعيان وأرباب الدولة غاية الحظ والإحسان لها.

وفيه نودي في القاهرة بإبطال الفضة العتيقة من المعاملة قاطبة، وأن الفضة الجديدة تصرف كل نصف بنصفين وربع، فازداد وقوف الحال على الناس ثانيا بإبطال الفضة العتيقة من المعاملة، والفلوس الجدد كانت كل اثنين بدرهم، فنادوا عليها كل واحد بدرهم، فازداد الحال وقوفا ثالثا.

وفيه أشيع أن ملك الأمراء خاير بك قد مرض ولزم الفراش وتزايد به المراض من يومه وانقطع عن المحاكمات. فلما قوى عليه المرض صار يتصدق على الأطفال الذين بمكاتب القاهرة قاطبة لكل صغير نصف فضة كبير، بنصفين وربع، وصار أحد الخازندارية وابن الظريف المقري يدفع لكل صغير النصف في يده، ويعطي الفقيه خمسة أنصاف كبار، والعريف ثلاثة أنصاف كبار، ويقولون لهم اقرءوا الفاتحة وادعو بالشفاء والعافية لملك الأمراء.

وقد تكاثرت الأقوال بأن به ثلاثة أمراض، منها فرخة جمرة طلعت له في مشعره، ومنها حدار انصب له في جميع أعضائه، وهو من أنواع الفالج، ومنها كتم البول قصارت الحكماء تبيت عنده في كل ليلة وقد أعياهم أمره في هذا العارض الذي به، وقيل: إنه مشغول من حين نزل إلى الشون.

وفي هذا الشهر ثبت النيل المبارك على إحدى وعشرين إصبعا من تسعة عشر ذراعا، وكان نيلا متوسطا، وكان في العام الماضي عشرين ذراعا إلا أصبعا واحدة.

وفي يوم الثلاثاء تاسعة، أفرج ملك الأمراء عن القاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك، وأفرج عن القاضي شرف الدين بن عوض، وألبسهما قفطانين حرير مذهب، وأركبهما فرسين من الإسطبل السلطاني، ونزلا من القلعة في موكب حافل وشقا من القاهرة، وكان ذلك اليوم مشهودا، فتخلقت عيالهما بالزعفران، فإنهما خلصا من فم الموت، وقمد قاسيا شدائد ومحنا وضربا وبهدلة، وسجنا في العرقانة، وقد أقاما في هذه الشدة نحو أربعة أشهر، وقسا قلب ملك الأمراء عليهما. وقد قال في ذلك الناصري محمد بن قانصوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>