للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم الجمعة المقدم ذكره، كان يوم النوروز - وهو أول توت من الشهور القبطية، وأول سنة ثمان وعشرين وتسعمائة خراجية - وكان النيل يومئذ في عشرين أصبعا من ثمانية عشر ذراعا، وكان سائر المغل في غاية الرخص بعد ما كان السعر قد انشحط لما توقف النيل عن الزيادة كما تقدم.

ومن الحوادث الشنيعة أن والي القاهرة شنق في يوم واحد أربعة عشر إنسانا، وخوزق منهم جماعة، وعلقهم في أماكن متفرقة، وكان أكثرهم حرامية وزغلية ومن عليه دم، فأخرهم الوالي في السجن إلى آخر شهر رمضان، وأتلفهم في يوم واحد.

وفي ليلة السبت خامس عشره خسف جرم القمر خسوفا كاملا حتى أظلم الجو وصار القمر كالفحمة السوداء، فأقام في ذلك الخسوف نحو خمسين درجة، وكان ذلك نصف الليل.

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره، خرج المحمل من القاهرة في تجمل عظيم، وكان يوما مشهودا، وكان أمير ركب المحمل الشريف الأمير جانم السيفي دولات باي الأتابكي، وهذه ثالث سفرة إلى الحجاز سافرها الأمير جانم كاشف لفيوم، فشق من القاهرة في موكب حافل وطلب طلبا كأطلاب الأمراء المقدمي الألوف، وكان في موكبه ست عجلات، وفي كل عجلة مكحلة نحاس برسم المدافع، فإن درب الحجاز كان في غاية الاضطراب بسبب فساد العربان، ولم يركب قدام المحمل أحد من القضاة الأربعة غير قاضي المحمل شمس الدين محمد بن النقيب.

وأشيع أن كسوة الكعبة الشريفة أرسلها ملك الأمراء من البحر المالح، وسبب ذلك فساد العربان. وكذلك المال أرسله السلطان سليمان بن عثمان إلى مكة والمدينة النبوية لأجل الصدقة على مجاوري الحرمين الشريفين صحبة قاضي العسكر لما توجه من البحر المالح خوفا من العربان واضطراب درب الحجاز في هذه الأيام المشطة.

وفي يوم الاثنين رابع عشرية، حضر قاصد من البحر، وأخبر أن السلطان سليمان بن عثمان في المحاصرة مع الفرنج الروادسة، وأحضر كتابا من عند الأمير جان الحمزاوي، يذكر فيه أن العسكر في انشحات زائد من الغلاء بسبب القمح والدقيق، وقد عزت الأقوات هناك، فلما بلغ ملك الأمراء ذلك، نزل إلى الشون التي بمصر العتيقة، وأخرج ثلاثين ألف أردب وخمسمائة حمل دقيق، فاستمر ينزل إلى الشون بسبب ذلك أربعة أيام متوالية، حتى جهز في المراكب ثلاثين ألف أردب قمح، وخمسمائة حمل دقيق، وخمسمائة أردب أرز، وقيل: مثلها حمص وبسلة، وقيل: أرسل مع ذلك أشياء كثيرة من البصل وغير ذلك مما استحسنه، فجهز ذلك بسرعة، وأرسله من البحر إلى السلطان والعسكر الذين هناك.

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>