فلما نظر الأمير قايتباي الدوادار عظمه وأكرمه، وكذلك الأمراء الذين صحبته، ووقف المماليك الجراكسة قدامه فشكرهم، وأثنى عليهم. وقيل: إن السلطان سليمان استقل عقل والده سليم شاه الذي قتل المماليك الجراكسة وقال: مثل هذه المماليك كانت تقتل؟؟
وقيل: إنه أنزل العسكر المصري وطاقة عند الوزير الأعظم، وأخبر الأمير جانم في كتابه أنه إلى الآن لم يقع بين السلطان وبين أهل رودس قتال، وأنه مقيم بجزيرة تجاه رودس، والميعاد بعد العيد.
وفي يوم الاثنين ثالث الشهر، قدم الخواجا ابن عبد الله من إسطنبول، فنزل إليه ملك الأمراء ولاقاه من عند تربة العادلي، وخلع عليه قفطان حرير. فلما حضر ابن عبد الله أشيع أن السلطان قرره ناظرا على الأوقاف قاطبة، وأنه يكشف على سائر الأوقاف والجوامع والمدارس قاطبة، فيعزل من يشاء، ويبقى من يشاء. وأشيع عنه أنه يخرج الوظائف عن الفقهاء، ولا يبقى بيد فقيه وظيفتين في التصرف، وأن يقرر الوظائف لجماعة آفاقية من الأروام. فلما أشيع ذلك اضطربت أحوال فقهاء مصر.
وفيه قدمت الأخبار من دمشق بأن الأمير فرحات نائب الشام قبض على جماعة من التجار أتوا من بلاد الشاه إسماعيل الصفوي، وزعم أنهم جواسيس من عند الصفوي، فلما قبض عليهم، أخذ جميع ما معهم من الأموال والبضائع والأصناف التي أتوا بها، ثم ضرب أعناقهم أجمعين، وربما يثور من هذه الواقعة فتنة عظيمة بين العثمانية والصفوي.
ومن الحوادث الشنيعة أن جماعة من النصارى كانوا يسكرون في بيت عند جامع المقسي على الخليج، فلما قوي عليهم السكر، تزايد منهم الضجيج والتجاهر بالسكر، وكان في جامع المقسي ابن الشيخ محمد بن عنان مقيما به، فثقل عليه أمرهم، فأرسل إليهم من ينهاهم عن ذلك، فأغلظ عليهم في القول، وقال لهم: أما تستحون من الشيخ ابن عنان؟ فسبوا الشيخ ابن عنان سبا قبيحا، فطلع الشيخ إلى ملك الأمراء وشكا من النصارى، فأرسل مالك الأمراء بالقبض على النصارى، فهربوا وقبضوا على واحد منهم، فرسم ملك الأمراء بحرقه، فلما رأى النصراني عين الجد، أسلم خوفا من الحرق، فألبسوه عمامة بيضاء. فلما جرى ذلك خاف بقية النصارى على أنفسهم، واختفوا عند يونس النصراني حتى تحمد هذه الواقعة عنهم.
وفي يوم الجمعة قدم قاصد من عند الأمير جانم الحمزاوي، وأخبر أن العسكر برر للقتال مع عسكر الفرنج الذين برودس، وأشيع أنهم أشرفوا على أخذ السور الأول من مدينة رودس، ولكن قتل في هذه المعركة من العساكر ما لا يحصى.