ثم عاد ملك الأمراء إلى القلعة، وحصل لأهل مصر بسبب خروج التجريدة غاية الضرر.
وفي يوم الثلاثاء سابع الشهر، أرسل ملك الأمراء يستعجل الأمير قايتباي الدوادار في سرعة التوجه إلى رودس، والنزول في المراكب، ثم نودي في القاهرة بأن العسكر المعين للسفر يخرج في بقية ذلك اليوم، وكل من تأخر عن الخروج في بقية هذا اليوم شنق من غير معاودة، فخرج المماليك المعينون للسفر قاطبة.
ومن الحوادث أن شخصا من نواب الحنفية يقال له شمس الدين محمد المناوي الحنفي، شهد شهادة حقا بين شخصين في تماري بينهما بسبب دين، فلما بلغ قاضي العسكر ذلك أرسل خلف القاضي شمس الدين محمد المناوي إنكشاريين، فلما حضر بهدله وهم يضربه، وقال له: أنا ما منعتكم أن تشهدوا على أحد من الناس إلا في المدرسة الصالحية.
ثم أرسله إلى السجن، فشق ذلك على القضاة والنواب، فاضطربت القاهرة بسببه، ثم شفع فيه عند قاضي العسكر القاضي شهاب الدين ابن الشيرين الحنفي، فأطلقه من السجن في يومه هو والعجماوي، وقد حصل لأهل مصر من قاضي العسكر غاية الضرر للرجال والنساء.
ووقع منه أمور شنيعة ما تقع من الجهال ولا من المجانين، وتزايد حكمه بالجور بين الناس، وقد ضيق عليهم غاية الضيق ثم تكلم الناس مع قاضي العسكر في أمر النساء ألا يمنعوا من طلوع الترب، ودخول الحمام، وزيارة الأقارب، فأذن لهن في ذلك، وأن المرأة لا تخرج إلى الطريق إلا مع زوجها، وألا يدخل الأسواق غير العجائز فقط، فسمح لهن قاضي العسكر، وأن النساء لا يركبن إلا الخيول والبغال دائما. فاستمروا على ذلك.
وقد فتك قاضي العسكر بالناس في هذه الأيام فتكا ذريعا، وقد جمع بين قبح الشكل والفعل، فإنه كان أعور بفرد عين بلحية بيضاء، وقد طعن في السن، وكان قليل الرسمال في العلم، أجهل من حمار، لا يدري شيئا في الأحكام الشرعية، وقدمت إليه عدة فتاوي فلم يجب عنها بشيء، وقمد هجاه الناس هجوا فاحشا في مدة إقامته بمصر، وقالوا في عدة مقاطيع. فمن جملة ذلك بعض كلام الشهود فيه وهو قوله:
رأينا شييخا أعورا قبل موتنا … أتى من بلاد الروم يقطع رزقنا
يقدم قانونا على شرع أحمد … فنسأل رب العرش يكشف كربنا