للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستهل شهر شعبان بيوم الأربعاء، فلم يطلع أحد من القضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، فإنهم استمروا في العزل المقدم ذكره، وصار قاضي العسكر هو المتكلم على المذاهب الأربعة.

ووقع في هذا الشهر من الحوادث أن الأخبار قد قدمت من الصعيد بأن القاضي فخر الدين ابن عوض لما توجه ليمسح جهات الصعيد دخل سائر الرزق الأحباسية قاطبة في المساحة التي بالمكاتيب الشرعية والمربعات والمناشير، وقال لأصحابها: من أراد الإفراج عن رزقته يقف إلى ملك الأمراء ويحضر مرسومه بالإفراج عن رزقته.

ثم أنه منع الفلاحين من إعطاء حراج الرزق حتى يحضروا بالإفراجات من عند ملك الإمراء. فاضطربت أحوال الناس، وتنكدوا غاية النكد، وصار كل من وقف إلى ملك الأمراء بسبب رزقته، وأحضر مكتوبة أو مربعته يأخذ منه المكتوب أو المربعة، ويقول له: امض إلى حال سبيلك، فإن الرزق قاطبة دخلت الذخيرة، فيرجع وهو في غاية القهر.

(أقول) أن الرزق الأحباسية ما تعرض لها أحد من سلاطين مصر، ولا أخرج منها شيئا عن أصحابها ولا ضيقوا عليهم بسبب ذلك.

وقيل: إن الإمام الليث بن سعد ، هو الذي دون ديوان الأحباس في أيامه، وأفرد للرزق الأحباسية ديوانا يختص بها دون ديوان الجيش، واستمر ذلك باقيا من بعد الإمام الليث إلى الآن، حتى جاء فخر الدين بن عوض، فنقض ذلك الأمر الذي كان على جهات البر والصدقات، وأبطل أمر الرزق الأحباسية وأدخلها الذخيرة، وأبطل ما كان صنعه الإمام الليث بن سعد .

وفي يوم الاثنين سادس الشهر، خرج الأمير قايتباي الرمضاني الدوادار وتوجه إلى السفر بسبب غزاة رودس، فخرج صحبته الأمراء والعسكر قاطبة، وخرج الرئيس حامد القبطان رئيس المراكب، وصحبته العسكر العثماني الذي تعين من الأصباهية والإنكشارية والكملية، وخرج العسكر من المماليك الجراكسة، فكان معه من الأمراء الجراكسة نحو ثلاثة وأربعين أميرا ما بين أمراء طبلخانات وعشراوات. فلما طلع إلى القلعة خلع عليه ملك الأمراء قفطان حرير مذهب، وخلع على الرئيس حامد القبطان قفطانا أيضا، فخرج الأمير قايتباي من الميدان وعلى رأسه صنجق حرير أحمر، وخرج ملك الأمراء من الميدان صحبته ليودعه، وخرج صحبته قاضي العسكر، والأمراء العثمانية قاطبة، فشق من القاهرة في موكب حافل وليس قدامه جنائب، وخلفه طبلان وزمران عثمانية ونزل وشق من القاهرة إلى بولاق، وكان يوما مشهودا.

<<  <  ج: ص:  >  >>