للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانا في غاية الألم مما نالهما من شدة الضرب الأول، وجاء هذا الضرب الثاني زيادة على ذلك، وأمرهما إلى الله تعالى.

وفي يوم السبت خامسه، نزل ملك الأمراء إلى الميدان، وجلس به وعرض العسكر قاطبة، وعين منهم جماعة كثيرة من المماليك الجراكسة نحو ألف وخمسمائة مملوك، وقال لهم: كونوا على برق أن طلبكم السلطان من البحر توجهوا إليه، وإن طلبكم من البر توجهوا إليه.

وفي ذلك اليوم طلع ملك الأمراء وقطع جوامك كثيرة من العسكر، وصرف لهم بحكم النصف من الجامكية.

وفي يوم الأحد سادسه نودي في القاهرة بأن كراء بيوت الأوقاف التي تحت نظر القضاة وغيرهم لا يقبضونه إلا على حكم المعاملة الجديدة كل نصف بنصفين وربع، وأن الأشرفي الذهب يصرف بسبعة عشر نصفا من الفضة الجديدة، فشق ذلك على الناس قاطبة، وحصل لهم غاية الضرر.

وفي يوم الاثنين سابعه، عرض ملك الأمراء جماعة من أمراء الجراكسة، مابين أمراء طبلخانات وعشراوات، فقطع رواتبهم التي كانت تصرف لهم … رسم بأن يصرف لهم بحكم النصف من ذلك، كما فعل بالمماليك الجراكسة، فحصل لهم في ذلك اليوم كسر خاطر عظيم، وكان فيهم شيوخ من القرانصة الأعوات.

وفي يوم الخميس عاشر الشهر، قدم قاضي العسكر الموعود به المسمى بسيدي جلبي، واستمر ملك الأمراء بصحبته إلى أن أنزله في بيت الأمير جانم مصبغة، الذي خلف المدرسة الغورية، وأرسل إليه مدة حافلة، فلما استقر هناك، أتى إليه قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل وقاضي القضاة المالكي محيي الدين الدميري، وقاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي الحنبلي، وكان قاضي القضاة الحنفي مريضا فلم يحضر إليه، فقيل لما دخلوا عليه لم يفم لهم ولم يعظمهم، وكانت صفته أنه شيخ هرم، أبيض اللحية، طويل القامة، وعلى عينه اليمنى فص، فلم ينظر إلا بعين واحدة، وهو فصيح اللسان باللغة العربية، حسن المحاضرة ولك قال القائل في المعنى:

لا تشكرن امرأ حتى تحربه … ولا تذمنه من غير تجريب

فشكرك المرء ما لم تبله خطأ … وذمه بعد شكر محض تكذيب

<<  <  ج: ص:  >  >>