مصر طفشوا في المدينة بسبب البيوت التي ينزلون بها، فصاروا يشوشون على الناس ويخرجونهم من بيوتهم غصبا بالضرب ويسكنون بها.
ثم أشيع أنه حضر صحبة العسكر شخص من العثمانية يزعم أنه قاض من قضاة ابن عثمان وعلى يده مراسيم من عند السلطان سليمان بأن يستقر في وظيفة يقال لها القسام، وموضوع هذه الوظيفة أن يكون متحدثا على جميع الترك قاطبة، والأهلية، ولا يعارضه أحد من الناس في ذلك. ويأخذ مما يتحصل من كل تركة العشر لبيت المال الأهلية وغير الأهلية، فحصل للناس بسبب ذلك الضرر الشامل.
ومن مضمون مراسيمه أن لا أحد من المماليك الجراكسة وأولاد الأتراك قاطبة وأرباب الدولة والإصباهية والإنكشارية يعقد عقدا على بكر أو ثبت إلا عند ذلك القسام، ويأخذ على عقد البنت ستين نصفا، والثيب ثلاثين نصفا، فأخذ قسائم على قضاة القضاة بذلك فاضطربت أحوال الناس لذلك، ولم يتعصب أحد من قضاة القضاة لمنع ذلك عن المسلمين، وقد خافوا على مناصبهم من العزل، وتغافلوا حتى ضعفت شوكة الإسلام في أيامهم، واستطالت قضاة الروم عليهم.
وقد ترادفت الحوادث المنكرة، والبدع الشنيعة المخالفة للشريعة في هذه الأيام، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه. فصار يوسف بن أبي الفرج مفتش الرزق والإقطاعات، وفخر الدين بن عوض مفتش الرزق الأحباسية التي بالصعيد، والأمير على العثماني مفتش الأوقاف قاطبة، والقسام الذي حضر قسام الترك، وملك الأمراء يعينهم على ذلك، فأين المهرب؟ كما يقال في المعنى:
رعاة الشاة تمي الذئب عنها … فكيف إذا الرعاة هي الذئاب؟
وفي يوم الأحد خامس عشرة، خرج الأمير على العثماني باش العسكر الإصباهية، وتوجه إلى خيامه بالريدانية.
ثم في يوم الخميس تاسع عشرة، خرج الأمير نصوح العثماني وصحبته من كان تأخر من الأصباهية، فلما سافروا سكن الأمير سنان في بيت الأمير أزدمر الدوادار عوضا عن الأمير نصوح، وسكن الأمير خضر في بيت الأمير طراباي، عوضا عن الأمير على الذي توجه إلى إسطنبول.
وفي يوم الجمعة عشرية، حضر القاضي بركات بن موسى المحتسب، وكان مسافرا نحو المنزلة، فأقام بها مدة ثم رجع، فلما طلع إلى القلعة، وقابل ملك الأمراء خلع عليه،