ثم أن الأمير جاني بك الكاشف أرسل رأس الأمير أحمد بن قاسم، ورأس شيخ العايد، فرسم ملك الأمراء بدفن الرؤوس، وقد أخذ ملك الأمراء بثأره من أحمد بن قاسم وكان في قلبه منه شيء من حين توجه إلى الغزالي نائب الشام فكان كما يقال في المعنى:
قالت ترقب عيون الحي أن لها … عينا عليك إذا ما نمت لم تنم
وفيه توفي الأمير تمراز الشمسي السيفي الأتابكي الذي كان كاشف البحيرة، وكان لا بأس به.
وفي يوم الاثنين سابع عشره، قبض ملك الأمراء على المقر الشهابي أحمد بن الجيعان، وسجنه بالقاهرة بالعرقانة، وكان ملك الأمراء على المقر الشهابي أحمد بن الجيعان، وسجنه بالقاهرة بالعرقانة، وكان ملك الأمراء متحملا منه في الباطن غاية التحمل، وكانت هذه أول كائنة وقعت له مع ملك الأمراء، وأمره إلى الله تعالى، فأقام أياما وهو في الترسيم.
ثم أن ملك الأمراء خلع عليه بعد ما أورد مالا له صورة من التقسيط الذي كان عليه، وقد نفد منه جميع ما معه من المال ولم يبق على ملكه لا رزقة ولا إقطاع ولا بيوت ولا دكاكين، وباع سائر قاعاته التي على بركة الرطلي فاشتراها الأمير قاسم الشرواني الذي كان نائب جدة بأبخس الأثمان، وجرى عليه شدائد ومحن دون أقاربه الذين مضوا، وما لاقى خيرا في هذه الدولة وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه.
وفي يوم الاثنين كان عيد الفصح عند النصارى - وهو أول يوم من الخماسين - وهو أكبر أعياد النصارى، فحكى عن يونس النصراني مباشر ملك الأمراء أنه صنع في ذلك اليوم خمسين بطة من الدقيق برسم الكعك والخشتنان، واثن عشر قنطار شيرج، وعشرة قناطير سكر، وعشرين ألف بيضة برسم صباغ البيض الذي يفرق على الناس، ودخل عليه تقادم من الأعيان وأشياء كثيرة من أغنام وأوز ودجاج وغير ذلك.
وفيه وقعت نادرة غربية وهي: أن شخصا يقال له ابن الشاطر حسن المصارع، خرج من بيته بعد العصر، وركب على حماره، ثم جلس على مصطبة تحت بيت في الجسر ليتفرج، فاضطرب ساعة يسيرة ثم طلعت روحه في الحال، وصار ملقى على الطريق، فمضى الناس إلى ولده وزوجته وأخبروهما بموته، فأحضروا له نعشا وحملوه عليه بعد المغرب، ومضوا به إلى بيته، وكان ذلك الرجل يبيع الورق، فنعوذ بالله من موت الفجأة على حين غفلة.