فلما كان يوم الاثنين عاشر الشهر نزل ملك الأمراء إلى الميدان وأحضر بين يديه مملوكين من مماليك الأمير قايتباي الدوادار ممن فعل هذه الفعلة، وقد قبض عليهما الوالي ورسم بتوسطيهما فوسطوهما على باب الميدان، ووسط معهما بواب الدوادار أيضا لكونه أغلق في وجه الإنكشارية الباب، فراح البواب ظلما. وكان عند ملك الأمراء الأمير قايتباي فمقته ملك الأمراء غاية المقت.
فلما رسم ملك الأمراء بتوسيط البواب، قام الأمير خير الدين نائب القلعة، والأمير نصوح العثماني، وشفعا في بواب الدوادار فإن له أولادا وأبا شيخا كبيرا، فلم يلتفت إلى شفاعتهما، فقاما وقبلا يدي ملك الأمراء ثاني مرة، وهو لا يزداد إلا قسوة، وحصل للأمير قايتباي في هذه الحركة غاية البهدلة، وانحطت كلمته عند الناس قاطبة.
وقيل إن الأمير قايتباي الدوادار دفع للإنكشاري الذيب قالوا أنه جرح مائة دينار وأعطاه جوخة كانت عليه وجبتي حرير بفرو سنجاب في نظير جوخته التي شرطت، وأعطاه خنجرا عوضا عن خنجره الذي زعم أنه سقط منه، وأرضاه بكل ما يمكن، وهذه من أبشع الحوادث وأشنعها.
ومن هنا نرجع إلى أخبار ذلك النصراني الذي أسلم لما خوزقوه، فاستمر يتلفظ بالشهادتين حتى مات، فشاوروا عليه قاضي القضاة كمال الدين الطويل الشافعي، فرسم بأن يغسلوه ويكفنوه ويصلوا عليه ويدفنوه في مقابر المسلمين، ففعلوا به ذلك، وسار جماعة من العوام قدام نعشه حتى دفنوه بعد الصلاة عليه في جامع الحاكم.
وفي يوم الخميس ثالث عشرة، سافر القاصد الذي كان حضر وبشر بأن الأمير مصطفى قد تزوج بابنة السلطان سليم شاه، وهي أخت السلطان سليمان، فأنعم عليه ملك الأمراء بمال له صورة، وكذلك سائر الأمراء العثمانية وأرباب الدولة، فدخل عليه فوق العشرة آلاف دينار. ودخل عليه مثل ذلك بالشام وحلب وسائر النواب.
وفي يوم الجمعة رابع عشرة، أشيع قدوم شيخ العرب الأمير أحمد بن قاسم بن بقر، ويعرف بأبي الشوارب، وكان توجه إلى الأمير جان بردى الغزالي، وطلب له من ملك الأمراء الأمان على نفسه، فحضر إلى القاهرة وقابل مل الأمراء فخلع عليه، وصار عنده من المقربين فأقام مدة على ذلك. ثم بدا لملك الأمراء قتله، فأرسل إلى جاني بك كاشف الشرقية بأن يقطع رأسه، فتوجه إليه جاني بك وهو في منية أبي الحارث بالدقهلية، فهجم عليه وقطع رأسه، وقتل معه شخصا آخر من مشايخ عربان العايد، فلما قتل الأمير أحمد بن قاسم بن بقر نهبت داره، وسبيت نساؤه وأولاده ولم يعلم أحد ما سبب ذلك.