وفي يوم السبت ثامن الشهر، رسم ملك الأمراء بشنق أنفار منهم يهودي ونصراني، وقد ظهر عليهم شيء من الزغل في الذهب والفضة، وقد نم النصراني على اليهودي، فكبسوا على اليهودي في بيته، فوجدوا عنده آلة الزغل، وشخص آخر مقدم درك الأزبكية، وأشيع أنه قتل في دركه شخصا من الإنكشارية، وشخص آخر قيل هو ابن أنس التي كانت في الأزبكية وغرقوها قبل تاريخه، فحورقوا الأربعة في يوم واحد فأما اليهودي فخوزقوه عند باب الضاغة، والنصراني خوزقوه بالقرب من المارستان، وأشيع عنه أنه لما خوزقوه أسلم وتلفظ بالشهادتين فلم يلتفتوا إلى إسلامه، فخوزقوه وأقام يوما وليلة وهو في قيد الحياة يتكلم حتى مات بعد ذلك، وأما مقدم درك الأزبكية فحوزقوه في الأزبكية عند الدكة بالقرب من بركة قرموط، عند المكان الذي قتل فيه الإنكشاري، وأما ابن أنس القوادة التي غرقوها، فخوزقوه في الأزبكية، قيل: إنه كان له جرة في الإنكشاري الذي قتل.
ومن الحوادث الشنيعة في ذلك اليوم، أن جماعة من لإنكشارية مروا بذلك النصراني الذي خوزقوه عند باب المارستان، فوجدوه يتلفظ بالشهادتين، فطلب شربة ماء من الإنكشارية الذين حوله، وكان أربعة مماليك من مماليك الأمير قايتباي الدوادار واقفين مع الإنكشارية، فرفقوا بذلك النصراني وأنزلوه إلى الأرض وقلعوا الخازوق من بطنه، وسقوه شربة ماء وأرقدوه على الأرض، فحصل بين الإنكشارية وبين ممالكي الأمير قايتباي الدوادار تشاجر بسبب ذلك النصراني، فاتسع الشر بينهم، فسحب بعض مماليك الأمير قايتباي خنجرا وهاش به على الإنكشارية، فجرح منهم شخص وسال دمه، وانقطعت جوخته، وفتكاثرت الإنكشارية على المماليك فهربوا منهم، وتوجهوا إلى بيت الدوادار الذي بين القصرين، فتبعهم الإنكشارية وهجموا عليهم في بيت الدوادار، فأغلقوا الباب في وجوههم، فحنقوا منهم وقصدوا أن يحرقوا الباب، وثارت فتنة عظيمة كما يقال:"ومعظم النار من مستصغر الشرر".
فلما بلغ الوالي ذلك أرسل دواداره فأعاد النصراني إلى الخازوق ثانيا وفيه الروح، فلما طلع النهار بلغ ملك الأمراء أخبار هذه الواقعة فتغير خاطره على الأمير قايتباي الدوادار بسبب مماليكه، فأرسل يطلب منه مماليكه الذين فعلوا هذه الفعلة، فطلع إليه الأمير جاني بك أخو الوادار، فلما رآه ملك الأمراء طفش فيه بالكلام، وقال له: إن لم تحضر هذه المماليك الذين أثاروا هذه الفتنة ما يحصل لك خير، فنزل من عنده وهو في غاية النكد.
ثم إن ملك الأمراء نادي في القاهرة: كل من أخفى عنده مملوكا الدوادار شنف على باب داره من غير معاودة، والذي يحضر مملوكا منهم له مائة دينار وقفطان مخمل.