نصف فضة من الفضة الجديدة يقع بنصفين وربع، عبارة عن أن الدينار السليماني يقف في البيع والشراء بخمسة وعشرين نصفا.
فلما نودي في القاهرة بذلك اضطربت أحوال الناس في تلك المعاملة، وصارت البضائع تباع بسعرين، سعر بالفضة الجديدة، وسعر بالفضة العتيقة، فضج الناس من ذلك، وغلقت الأسواق والدكاكين، وبطل البيع والشراء، ووقف حال التجار والمسببين، وصار النصف العتيق يصرف بستة دراهم فلوس جدد، والفضة الجديدة تصرف بنصفين وربع، وقمد لعب إبراهيم اليهودي في أموال المسلمين من ذهب وفضة وفلوس جدد، وتحكم في أخذ ما بيد الناس من أموالهم بغير حق، والأمر إلى الله تعالى.
وفي يوم الأربعاء خامس الشهر، اجتمع الجم الكثير من السوقة والمسببين وجماعة من القزازين من منية أبي عبد الله، وجماعة من المكاسة وغير ذلك، وحملوا على رؤوسهم مصاحف وربعات وأعلاما وطلعوا إلى القلعة، وزعموا أن محيي الدين بن أبي أصبع قد ظلمهم بسبب مكس الأطرون، وأخذ منهم على حكم المعاملة الجديدة كل نصف بنصفين وربع، وقد ظلمهم وصار يقيم لهم النصف منم الفضة العتيقة بستة نقرة. فلم طلعوا إلى القلعة لم يجتمعوا بملك الأمراء، واحتجب عنهم، وأرسل إليهم الأمير جانم الحمزاوي والقاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك. فقال لهم ملك الأمراء: يقول لكم هذا أمر السلطان في أمر المعاملة. فكابروا ووقفوا وشكوا وتحسبوا، فخرج إليهم جماعة من الإنكشارية فضربوهم بالعصى على وجوههم، فتشتتوا ونزلوا على أسوأ حال وهم في غاية الذل.
وفيه نزل ملك الأمراء وتوجه إلى بركة الحبش على سبيل التنزه، فجهز إليه القاضي المحتسب هناك مدة حافلة، وأقام إلى آخر النهار، ثم عاد إلى القلعة في يومه.
وفيه نودي في القاهرة بأن السنج والأرطال القديمة التي كانت تتعامل بها الناس من قديم الزمان تبطل جميعها من القاهرة، وأخرجوا لهم سنج نحاس وأرطالا تسمى العثمانية، وهي عبارة عن تسعة دراهم، فتنقص كل مائة درهم أربعة دراهم في سائر الأوزان قاطبة في البضائع، حتى في المسك والعود والعنبر وغير ذلك، فتصير كل مائة درهم ستة وتسعين درهما، وعملوا مثل ذلك في القبان أيضا وخرجوا على الناس في استعمال تلك السنج والأرطال، وأوعدوا السوقة أن كل من خالف في ذلك شنق من غير معاودة في ذلك. وقد تقدم القول أنهم أبطلوا الذراعي الهاشمي، وأخرجوا الذراع العثماني الذي يزيد على الهاشمي خمسة قراريط ونصف قيراط. وكتبوا على التجار قسائم ألا يستعملوا إلا الذراع العثماني فقط فشق ذلك على الناس قاطبة.