ومشايخ العلم، فقال قاضي القضاة الشافعي لمحب الدين: حكمك الذين حكمته باطل. فقال له محب الدين: ما هو صيح منك. واستمر المجلس يتزايد في اللغط بين الفقهاء بحضرة ملك الأمراء. وكان قاضي القضاة الحنفي أهوج رهاجا، وعنده صعصعة وبادرة حدة مع قلة دربة.
فلما رأى ملك الأمراء المجلس قد انفض على غير طائل، أصلح بين القاضي القضاة الحنفي وبين مستنيبه محب الدين سبط ابن الدهانة، فاصطلحا صلحا على فساد، وانفض ذلك المجلس.
ثم أن ملك الأمراء قال لقاضي القضاة الحنفي: لا تبقى تعارض محب الدين في أحكامه. فنزل محب الدين وهو منتصف على قاضي القضاة، وقد بهدله في ذلك اليوم غاية البهدلة.
وفيه قدمت الأخبار من إسطنبول بأنه قد وقع بها زلزلة عظيمة، فهدمت عدة بيوت سقطت على أهلها، ورمت الأعمدة التي تحت الأماكن والقبب، وكانت من الأمور المهولة.
وذكروا أنه وقع مثل هذه الزلزلة في أيام الخنكار أبي يزيد جد السلطان سليمان، فجري عقيب ذلك ما جرى مع السلطان قايتباي، وكسر مرتين، وقتل من عسكره ما لا يحصى عدده.
وفي يوم الخميس سابعه أشيع أن شخصا منجما قال أنه في يوم الجمعة تثور على الناس رياح عاصفة، وتقع زلزلة عظيمة حتى تسقط منها البيوت، وتقبض الناس وهم في صلاة الجمعة. فانتشرت هذه الإشاعة في القاهرة، وانطلقت ألسنة الناس بذلك قاطبة.
فاضطربت القاهرة لهذه الإشاعة، وصار الناس يودع بعضهم بعضا، وباتوا تلك الليلة على وجل.
فلما أصبحوا وجاء وقت صلاة الجمعة دخلوا إلى الجوامع فصلوا وعلى رؤوسهم طيرة. فلما قضيت الصلاة، وخرجوا من الجوامع، صار لهم ضجيج وهم يهنئون بعضهم بعضا بالسلامة، ويصافحون بعضهم بعضا، وخمدت هذه الإشاعة التي لا أصل لها.
وقد اتفق وقوع مثل هذه الواقعة في أوائل سلطنة الأشرف قايتباي. وأشيع مثل ذلك أن الناس إذا صلوا الصلاة يقبضون وهم في صلاة الجمعة، فلما دخل الناس إلى الجوامع صار على رؤوسهم طيرة، فاتفق أن خطيبا كان في الجامع الذي عند ميدان القمح، وكان يعتريه خلط مصرع، فلما صعد المنبر عرض له ذلك الخلط المصرع، وهو على المنبر، فاضطرب وسقط عن المنبر، فلما عاين الناس ذلك اضطربوا وهربوا من الجامع، ولم