للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأربعاء، وكان ملك الأمراء غائبا، فلم تطلع القضاة إلى القلعة ولم يهنئوا بالشهر.

فلما كان يوم الثلاثاء سابعة، حضر ملك الأمراء من تلك السرحة، فكانت مدة غيبته في هذه السرحة خمسة عشر يوما، فتنزه هناك وانشرح إلى الغاية، وتصيد عدة من الكراكي والغزلان، ودخل عليه جملة تقادم حافلة من مشايخ العربان الذين بالغربية والشرقية، والكشاف المدركين، مابين ذهب وفضة وخيول وجمال وبقر وجاموس وغنم وأوز ودجاج وقدور عسل نحل وسمن، وغير ذلك أشياء فاخرة تهدي للملوك.

فلما رحل من النجيلة لم يتوجه إلى الإسكندرية ولم يدخلها في هذه المرة، بل قصد العود إلى القاهرة. فلما وصل إلى قرية قليوب، تسامع به الناس فخرجوا إليه، فأضافه هناك شيخ العرب ابن أبي الشوارب، وبات بقليوب. فلما أصبح رجل من هناك، وتوجه إلى تربة العادي التي بالريدانية، فمدت له هناك مدة حافلة، فتغدى هناك ورحل، فخرجت إليه قضاة القضاة لتلقيه فلم يجتمعوا به، ولم يكن معه غير قاضي القضاة محيي الدين بن الدميري فقط، ثم اصطف له الناس على الدكاكين لأجل الفرجة، فلم يشق من القاهرة في ذلك اليوم، وطلع إلى القلعة من بين الترب، فلم يشعر به أحد.

وفي يوم السبت حادي عشرة عمل ملك الأمراء المولد النبوي، فاجتمعت القراء والوعاظ بالدهيشة وأرسل يقول لقضاة القضاة. لا تكلفوا خواطركم ولا تطلعوا القلعة، فإن ملك الأمراء حصل له توعك في جسده، فلم يحضر المولد. ثم أرسل خلف قاضي القضاة المالكي على انفراده، وقال له: اطلع واحضر المولد. وكان قاضي القضاة المالكي من أخصاء ملك الأمراء، وكان عنده من المقربين.

ثم أن ملك الأمراء أرسل يقول للأمراء الجراكسة والأمراء العثمانية: لا تكلفوا خواطركم ولا تطلعوا إلى القلعة بسبب المولد، فإن ملك الأمراء احتجب في ذلك اليوم بالأشرفية التي بجوار الدهيشة ولم يجلس عند المقرئين، ولا حضر السماط في ذلك اليوم، بل قعد على رأس السماط قاضي القضاة المالكي، والأمير برسباي، والخازندار، وآخرون من الأمراء العثمانية، وانقضى ذلك.

وفيه خلع ملك الأمراء على القاضي أبي السعود ابن الشحنة، واستقر أمير جكار عوضا عن الناصري محمد بن أحمد بن اسنبغا بحكم صوفه عنها.

وفيه تغير خاطر ملك الأمراء على الطواشي مسلك فرسم بتوسيطه، ثم شفع فيه الأمراء العثمانية فرسم بنفيه إلى المدينة الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

فخرج من يومه وسافر في البحر المالح، وكان سبب ذلك أن مسك هذا لما ملك السلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>