للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المدرسة الصالحية، فانفض المجلس على ذلك. وقام القضاة فقيل لهم امشوا على اليسق العثماني، فاضطربت أحوال القضاة والشهود قاطبة، وبطلت أسبابهم ومشوا على هاذ الحكم.

وصار مقدم الوالي والجالية يأتون في كل يوم من أيام الجمعة، ويجلسون في بيت كل قاض من القضاة الأربعة إلى ما بعد العصر، ويأخذون ما يتحصل من عقود الأنكحة، ويمضون به إلى بيت الوالي، كما تقرر الحال على ذلك اليسق العثماني. فصار الذي يتزوج أو يطلق تقع غرامته نحو أربعة أشرفية، فامتنع الزواج والطلاق في تلك الأيام، وبطلت سنة النكاح والأمر لله تعالى.

وفيه نزل من القلعة اقاضي بركات بن موسى المحتسب، وأشهر المناداة في القاهرة وصحبته الوالي بأن لا قاضي ولا شاهد يحكم في المدرسة الصالحية، وأن لكل قاض من القضاة سبعة من النواب لا غير، يحكم كل نائب يوما في بيت قاض من القضاة الأربعة، ويسمع الدعوى في بيت مستنيبه، وأن لكل نائب من النواب شاهدين لا غير، وأن القاضي يأخذ على نكاح البنت البكر ستين نصفا، ويأخذ على الثيب ثلاثين نصفا، وأن سائر النواب والشهود بطالة من الأحكام الشرعية، وهذا حسبما رسم به ملك الأمراء، والمشي على اليسق العثماني.

فلما سمع ذلك الناس اضطربت أحوالهم غاية الاضطراب، ولا سيما النواب والشهود حصل لهم الضرر الشامل، وصارت المدرسة الصالحية ليس يلوح بها قاض ولا شاهد، بعد ما كانت قلعة العلماء.

ومن الحوادث ما وقع في أواخر الشهر وهو يوم الأحد خلع ملك الأمراء على شخص يسمى جمال الدين يوسف بن أبي الفرج، ويعرف بابن الجاكية - وهو ابن محمد الذي كان نقيب الجيش من أولاد ابن أبي الفرج - واستقر به في وظيفة التفتيش عن الرزق، فلما قرر في هذه الوظيفة أخذ حذره منه سائر الأعيان ودخلت رأسهم منه الجراب.

فلما استقر أمر ملك الأمراء بأن ينادي له عن لسانه حسبما رسم ملك الأمراء لا أحد من الناس يحتمي على الأمير جمال الدين يوسف بن أبي الفرج ولا يعارضه، وأنه مسموع الكلمة وافر الحرمة.

فلما جرى ذلك طغى الأمير يوسف بن أبي الفرج وتجبر، وصار معه الجم الكثير من الرسل والبزددارية، وصار يطلب أعيان الناس من رجال ونساء بالرسل الغلاظ الشداد، فإذا حضروا إلى بابه ومعهم مكاتيبهم ومربعاتهم، يقرؤها ثم ينجش لهم فيها انجاشا، ويقول لهم أرزني أصول هذا وأصول الأصول، فإذا عجزوا عن ذلك يرسلهم إلى بيت

<<  <  ج: ص:  >  >>