وفيه وقعت نادرة غريبة، وهي أنه حضر قاصد من إسطنبول إلى الشام، ثم حضر إلى القاهرة، فلما استقر بها أظهر مراسيم من عند السلطان سليمان، وأحضر معه ذراعا من الحديد يزيد على الذراع الهاشمي الذي تتعامل به أهل مصر بخمسة قراريط، وأحضر معه سنج نحاس وأرطالا على طريقة إسطنبول. وأشيع أن السلطان سليمان بن عثمان رسم بإبطال الذراع والسنج التي يتعامل بها أهل مصر، وأن التجار وأرباب البضائع لا يتعاملون إلا بهذا الذراع وهذه السنج، فامتثل ملك الأمراء ذلك، وأجاب بالسمع والطاعة، ورسم للقاضي بركات بن موسى المحتسب بأن ينادي في القاهرة حسبما رسم الخنكار بإبطال الذراع الهاشمي من مصر، واستعمال الراع الإسطنبولي فنزل المحتسب مع الوالي ونادى في القاهرة بذلك.
ثم إن القاضي بركات بن موسى المحتسب كتب قسائم على التجار أنهم لا يبيعون ولا يشترون إلا بهذا الذراع الإسنطبولي، فشق ذلك على التجار وأرباب البضائع. فلما أشهر المحتسب المناداة بذلك، وأن كل من خالف مرسوم الخنكار شنق على دكانه من غير معاودة، صارت رسل المحتسب تطلع إلى دكاكين التجار الذين في الأسواق وتأخذ الأذرعة الحديد وترميها في الطرقات، فاضطربت القاهرة في ذلك اليوم أشد الاضطراب.
ثم صاروا يكررون المناداة في أمر المعاملة بذلك الذراع الإسطنبولي، واستمر ذلك في البيع والشراء إلى الآن.
وفيه وقعت كائنة عظيمة للوكلاء الذين بالمدرسة الصالحية وكان سبب ذلك أن شخصا من الوكلاء يقال له على الأزهري، توكل عن شخص يهودي في شغل، فأخذ منه في ذلك الشغل أربعين دينارا وقيل خمسين دينارا، فلما بلغ المحضر الذي في المدرسة الصالحية ذلك، طلب على الأزهري وسأله عن ذلك فأنكر، وقال ما أخذت منه هذا القدر أبدا، وخلف وأقسم، فحنق منه المحضر وأمر بضربه بين يديه.
ثم إن المحضر طلع إلى ملك الأمراء وأخبره بأمر الوكلاء وما يصنعون، فرسم باحضار سائر الوكلاء فاختفى منهم جماعة، وقبضوا على أربعة منهم، وهم على الأزهري، وسالم، ومسعود، والحكري. فطلعوا بهم إلى القلعة وعرضوهم على ملك الأمراء فأوعدهم بكل سوء، ثم أرسلهم إلى بيت الوالي فأرسلهم الوالي إلى سجن الديلم، فسجنوا به إلى أن تظهر البقية. وكان الذي رافع في الوكلاء وأشلى فيهم بدر الدين بن الرومي، وتعصب معه خير الدين نائب القلعة، وقال لملك الأمراء هذه الأفعال التي يفعلها الوكلاء في المدرسة الصالحية لا تحل ولا تجوز، فاضطربت أحوال القضاة إلى الغاية.