وفي يوم الخميس ثالث عشرية، توجه ملك الأمراء إلى نحو الجزيرة التي تجاه الجيزة بالقرب من المقياس، وأقام بها ذلك اليوم على سبيل التنزه، فأرسل إليه القاضي بركات بن موسى المحتسب هناك مدة حافلة، فتغدى ملك الأمراء هناك، ورسم بأن الذي فضل مكن المدة يحمل إلى القلعة، وقد فضل منها أشياء كثيرة.
ثم إن ملك الأمراء خلع على القاضي بركات بن موسى المحتسب قفطانا مذهبا، وشكر له ما صنعه من أمر تلك المدة.
وفي يوم الأحد سادس عشرية، وقعت كائنة عظيمة للشيخ عبد المجيد بن الطريني، وذلك أن ملك الأمراء تغير خاطره عليه بسبب أنه كان تسلط عليه الدين الذي تقدم ذكره، فلم يعط أصحاب الديون شيئا مما قسطه عليه، فشكوه إلى ملك الأمراء ثانيا، فأرسل خلفه، فلما حضر بين يديه قال له:"ألم أقسط عليك ذلك الدين في كل شهر، وقررت معي أنك ترضى أصحاب الديون بما قسطته عليك، فلم تفعل من ذلك شيئا". فلم ينطق في ذلك بحجة، فحنق منه ملك الأمراء، ورسم بضربه فبطح على الأرض، وضرب ضربا مبرحا، حتى قيل ضرب ست نوب تبدلت عليه حتى كاد أن يموت. ثم وضعه في الحديد، وأرسله إلى بيت الوالي ليعصره في أكعابه بحضرة أصحاب الديون، فرق له الوالي وأرسله لسجن الديلم، فسجن به والحديد في عنقه، فاستمر في السجن بالحديد حتى كاد أن يموت، وقد عجز عن وفاء ما عليه من الديون، حتى قيل تجمد عليه من الديون نحو سبعين ألف دينار للتجار الأروام وغيرهم.
وقد تزايد غضب ملك الأمراء على الشيخ عبد المجيد بن الطريني حتى كاد أن يوسطه من شدة غضبه عليه، وكان الشيخ عبد المجيد من أعيان الناس وله بر ومعروف، حتى قيل كان يصنع في كل يوم ستة أرادب دقيق برسم الوارد عليه في المحلة، ويعلق في كل يوم اثني عشر أردبا من الشعير، والدسوت عمالة بالطعام ليلا ونهارا للوارد عليه من سائر البلاد، فتجمدت عليه هذه الديون العظيمة، وسيق كما سيق غيره من الأكابر، ولكن يلطف الله به، والكريم لا يضام أبدا. فكان الشيخ عبد المجيد أحق بقول القائل حيث قال:
لنا غنم تعرف وجوه ضيوفنا … تجي من مراعيها تروم الذبائح
لنا خدم ما ينبت الشعر روسها … لحمل القرى من آخذات ورايح