هذا ففتكت الناس في الفرجة والقصف، وسكن غالب بيوت الجسر، بعد ما كان آل إلى الخراب وتهدمت بيوته، وكاد أن يبقى مثل الجزيرة الوسطى في خرابها.
*****
وفي شهر ذي القعدة، وكان مستهله يوم الأربعاء، طلع القضاة الأربعة إلى القلعة، وهنئوا ملك الأمراء بالشهر، ثم عادوا إلى دورهم.
وفي يوم الجمعة ثالثه، نودي في القاهرة عن لسان ملك الأمراء بأن لا أمير من الجراكسة، ولا خاصكيا، يركب وخلفه بغل وعليه غلام راكب، بل يمشي على طريقة العثمانية في أفعالهم، يأخذ الغلام الغاشية على كتفه ويمشي قدامه.
وفي يوم الأربعاء ثامن الشهر، أنفق ملك الأمراء الجامكية على المماليك الجراكسة بعد ما عوق جوامكهم وعليقهم ستة أشهر حتى عاينوا الموت من ضيق الحال، فصرف لهم ثلاثة أشهر، وأخر لهم ثلاثة أشهر، ولم يصرف لهم العليق. فقبض ذلك اليوم كل مملوك من الجراكسة أحد عشر أشرفيا ذهبا وثمانية أنصاف من الذهب العثماني، فأقاموا عليهم كل أشرفي ذهب بأشرفيين فضة، فحسروا في صرف كل أشرفي عشرة أنصاف فضة، فكانت خسارتهم في العشرين أشرفيا خمسة أشرفيات ونصفي فضة، فحصل لهم الضرر الشامل بسبب ذلك بعد صبرهم ستة أشهر، وأخر العليق عنهم.
وأشيع أن الديوان مشحوت غاية الانشحات، وأن ملك الأمراء عليه ستون ألف دينار، والمباشرون استخرجوا من البلاد القسط الأول، أربعة أشهر معجلا من مغل سنة سبع وعشرين وتسعمائة قبطية خراجية قبل أن يفي النيل ويرزع الفلاحون وتروي الأراضي، فحصل للفلاحين غاية الضرر من ذلك، ورحل بعض فلاحين بسبب ذلك الظلم والجور وقد انحط سعر الغلال عما كان أولا من الارتفاع.
وكان سبب اشنحات الديوان أن المال الذي يجيء صار ينقسم على سبع طوائف من العسكر، وهم المماليك الجراكسة وأمراؤهم الذين تأخروا بمصر، ثم الإصباهية وأمراؤهم الذين تأخروا بمصر، ثم الصوباشية، والانكشارية، والكملية، ثم مماليك ملك الأمراء، وذلك خارج عن كلفة من يرد من المملكة الرومية من القصاد والمترددين من إسطنبول وغيرها، فكان ملك الأمراء ينعم عليهم بالعطايا الجزيلة.
وقد بلغني ممن أثق به أنه كان متحصل خراج مصر في دولة ابن عثمان لما ملكوها ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، ومن المغل ستمائة ألف أردب منها ثلثمائة ألف أردب