وولي تدريس قبة الإمام الشافعي رحمة الله عليه، وولي في أواخر عمره مشيخة مدرسة الجمالية، وكان بيده عدة تداريس، وألف الكتب الجليلة في العلوم المفيدة، وأفتى ودرس بالقاهرة نحو ثمانين سنة، وانتفع منه غالب الناس، وخلف ولدا ذكرا من جارية سوداء.
فلما بلغ ملك الأمراء وفاته أرسل إليه ثوبا بعلبكيا وخمسين دينارا على يد الأمير جانم الحمزاوي، وحضر غسله وتكفينه والصلاة عليه، وأخرجت جنازته من عند المدرسة السابقية، ومشى في جنازته قضاة القضاة وأعيان الناس، وصلوا عليه في سبيل المؤمنين، ونزل ملك الأمراء وصلى عليه، وحمل نعشه من سبيل المؤمنين أول ما طلعوا وكانت جنازته حافلة، فلما صلوا عليه توجهوا به إلى مقام الإمام الشافعي رحمة الله عليه، ودفن عند الشيخ محمد الخبشاني تجاه قبر الإمام الشافعي ﵁، فكان أحق بقول القائل حيث قال:
لقد عظمت رزيتنا فنبه … لها عمرا وكم جنح الليالي
فلا زالت ذوو الأقدار تلقى … من الأيام أنواع النكال
وكم جنت المنون على رجال … وجندلت الكماة بلا قتال
ودائي ليس يشفيه دواء … وجرحي لا يؤول إلى اندمال
به الأيام قد كانت قصارا … فويلي من لياليها الطوال
وكان ذخيرتي فيها وكنزي … وكان هدايتي عند الضلال
لقد درست دروس العلم حزنا … وقد ضل الجوال عن السؤال
ودق الناس أبواب الفتاوى … وقد وصلوا إلى باب الصيال
بكاك العلم حتى النحو أضحى … مع التصريف بعدك في جدال
بكت أوراقه بيض المواصي … دما ويراعه سمر العوالي
وعين دواته عمشت وآلت … يمينا لا تداوى باكتحال
تنكرت المعارف في عياني … وتمييزي غدا في سوء حال
وما عوضت من بدل وعطف … سوى توكيد سقمي واعتلالي
فيا قبرا ثوى فيه تهني … فقد حزت الجميل مع الجمال
سقاه الله عينا سلسبيلا … وأسبغ ما عليه من الظلال
وبوأه من الفردوس فضلا … ورقاه إلى الغرف العوالي
وفي يوم الأربعاء المقدم ذكره، توفي الشيخ شمس الدين محمد البساطي، الشاهد الذي قطع ملك الأمراء يده، فراح ظلما بلا ذنب أوجب ذلك وأشيع أن ملك الأمراء أرسل إليه